هذا يوم حزين في حياتي وفي حياة الصحافة اللبنانية. «نداء الوطن» تودع اليوم قراءها، ونحن، الكتاب والعاملين فيها، نودعها ويودع بعضنا بعضاً. هي ليست الوحيدة التي تتوقف عن الصدور في العالم وفي لبنان. لكنها، في سنواتها القليلة، أثبتت أنها حاجة للقارئ اللبناني في ظل أزمة الصحافة المكتوبة، وأن توقفها عن الصدور سيترك فراغاً.
هي جريدة القضية. قضيتها الثورة والوطن والدولة. هما توأمان. شباب لبنان وشاباته واجهوا المنظومة في الشوارع والساحات، وهي واجهت رأس سلطة الفساد والإفساد بالكلمة الحرة.
منحتني الجريدة شرف حمل قضيتها في كل مقالاتي. كتبت في مديح الثورة وفي نقدها. انتظرت الثورة منذ ارتسمت صورتها المغلوطة في مخيلتي أول الحرب الأهلية. شباب لبنان وشاباته أعادوا رسم الصورة ناصعة نقية وقدموا أدلة على أخطاء جيلنا ودروساً في نقد الماضي.
علمتنا ثورة 17 تشرين أنه لا وطن من دون دولة ولا دولة من دون دستور. الثورة علمتنا وصحيفة «نداء الوطن» احتضنتنا. كتبت مقالات في نقد الحرب الأهلية ونشرتها في كتاب، سأنشر ما كتبته عن الثورة. أما الدولة فهي موضوع مقالاتي الثالث. الدولة أهم اختراع بشري على ما يقول أحد الفلاسفة، يبددها رجال السياسة بغياب رجال الدولة.
«نداء الوطن» جريدة حرة، جريدة الحرية. الوحيدة بين الصحف التي كتبت فيها استقبلت نقدي الصريح والجريء الذي لم يوفر أحداً و»لم يترك لي صاحباً». لم ترد لي نصاً ولم تطلب تعديلاً لا في المضمون ولا في الصياغة.
توقفت الجريدة عن الصدور لأنها لا تنطق باسم حزب ولأن العاملين فيها، على تنوعهم الفكري والسياسي، كانوا ينتمون إلى حزب الوطن، وطننا الجميل لبنان، إلى حزب الدولة، دولة القانون والمؤسسات.
جريدة تشبه لبنان. هي منبر التنوع والتعدد. منبر احترام الرأي الآخر، الرأي المختلف. هي محل تفاعل الآراء ووجهات النظر. تنوع من داخل الوحدة في عائلة من الكتاب والمحررين والعاملين ورئيس تحرير يجسد النموذج الأرقى للديمقراطية.
تحية اعتزاز بفريق العمل الذي تابع إصدار الجريدة مدة شهرين متحدياً الضائقة المالية التي أجبرتها على الاحتجاب. سنظل نكتب عن قضيتنا، قضية الوطن والدولة حتى لو باعدتنا المسافات، ومعنا ذخيرة من التعاون والتآلف وفرته لنا جريدة «نداء الوطن».