بعد أربعة عشر شهراً على انخراط “حزب الله” في حرب “الإسناد والمشاغلة”، دعماً لحركة “حماس” في غزة، وبعد شهرين تقريباً على حرب “أولي البأس”، بدءاً من تفجيرات “البيجر”، أعلِن عن وقف لإطلاق النار، وصار بالإمكان إجراء جردة ولو أولية بنتائج الحربين: الإسناد والمشاغلة وأولي البأس. وجردة “الانتصارات” المنوَّه عنها والتي حققها “حزب الله”، لا بد أن تبدأ فوراً خشية أن تضيع بين الجردات الوهمية التي تقلب الهزائم إلى انتصارات، وتحاول أن تستأنف ما بدأته، وكأن شيئاً لم يكن، كما حاول ان يفعل رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد في مقال له أمس يصح فيه عنوان “حرب الإنكار “.
“حزب الله” قد يُرجئ الاحتفال بالانتصار، لأن مَن يُفترض أن يحضروا الاحتفال قد غابوا جميعاً: من السيد حسن نصرالله الذي كان أول مَن أعلن “وحدة الساحات” إلى السيد هاشم صفي الدين الذي كان أول مَن أعلن “البيان الأول” في الثامن من تشرين الأول 2023، عن العملية الأولى في إطار “الإسناد والمشاغلة” إلى قادة الصف الأول، الشيخ نبيل قاووق وفؤاد شكر وابراهيم عقيل، إلى الحاج وفيق صفا الذي لم يُعرَف مصيره إلى اليوم، إلى الحاج محمد عفيف، إلى القادة الميدانيين من قوات الرضوان. مع غياب كل هؤلاء، يكون ” الانتصار ” بطعم الهزيمة.
على مَن يتحدث عن “الانتصار” أن يسأل: أين هو هذا “الانتصار”، خصوصاً في غياب هؤلاء؟
“الانتصار” الثاني هو خسارة خط الدفاع الأول في الجنوب، الموازي للخط الأزرق عند الحدود، ثم خط الدفاع الثاني، وتدمير أنفاقهما التي كانت تمر تحت منازل الأهالي في القرى والبلدات الجنوبية، وتدمير الأنفاق أدى حكماً إلى تدمير القرى والبلدات التي كانت تمر فيها، وهذا ” الانتصار التدميري” واضح للعيان.
“الانتصار” الثالث نزوح أبناء الجنوب وأبناء الضاحية والبقاع، وعجز “حزب الله” عن توفير مراكز إيواء للنازحين، علماً أن مسؤولين فيه كانوا طمأنوا، بالتزامن مع بدء الحرب منذ أربعة عشر شهراً إلى أن “حزب الله” جهَّز مراكز إيواء لكل النازحين.
“الانتصار” الرابع تدمير البنى التحتية لـ”الحزب” من عسكرية ومالية واقتصادية.
هذه عيِّنة من جردة “الانتصارات” التي هي في واقع الأمر جردة هزائم لم يعرف “حزب الله” مثيلاً لها منذ تأسيسه عام 1982. وما أعدَّه لمواجهة إسرائيل و”رميها في البحر” خسره في شهرين.
وهذه “الانتصارات” من وجهة نظر “حزب الله” باشر الإعداد لها إعلامياً، و”الاستهلالية” مع رئيس كتلة نواب “حزب الله” النائب محمد رعد الذي قال أمس في مقال صحافي: “نفترض أن الضمانة المُثلى هي في المُعادلة نفسها التي أرغمت العدوّ مُجدداً على وقف عدوانه وتيئيسه من إمكانية إخضاع إرادة اللبنانيين وانتهاك سيادة بلدهم. إنها مُعادلة الشعب والجيش والمُقاومة”.
فات النائب رعد جملةً من الحقائق والوقائع التي تجعل هذه المعادلة من الماضي، ومن هذه الوقائع:
كيف أرغمت هذه المعادلة العدو مجدداً على وقف عدوانه؟ هل من خلال نجاحه في التوغل؟ أم بنجاحه في الاغتيالات؟ هل في نزوح أكثر من مليون من “الشعب”؟
صحيح أن النائب رعد يريد فتح النقاش، لكن بعد خراب البصرة، فالمعادلة “الذهبية” التي هي في حقيقتها معادلة “خشبية” كما سمّاها “إعلان بعبدا”، لم تعد صالحة، كما أنها في الأساس لم تكن صالحة.
وما يدعو إلى الاستغرب هو هذا الهذيان الذي أصاب النائب رعد وفكَّر في سيناريوات ليبرر استمرار سلاحه، فيتوجس بهواجس غير موجودة ليتحدث عن “إكمال العدو مشروعه بغزو لبنان مُجدداً ومُحاولة إنهاء المقاومة الإسلامية فيه، ليفرض سيطرته ويُخضع لبنان لموازين قوى جديدة. حينذاك لا يعود مضموناً استقرار الوضع الداخلي وفق ميثاق الوفاق الوطني، ولربما تراود البعض آنذاك أحلام قديمة أو شبيهة لها”.
من أين جاء رعد بهذه المخيِّلة الواسعة؟ فبدلاً من ان يهلوس بما أسماه “أحلام قديمة تراود البعض”، لماذا لا يجرؤ على الجهر بأطماع “حزب الله” بالسيطرة على البلد والتي جهر بها ناشطو الحزب، عملاً بالقول المأثور “تعرفون أسرارهم من صغارهم” وواضح مَن كان يريد وضع يده على البلد .
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووفق ما كان متوقعاً، أعلن الموافقة على وقف النار، لكن ما لفت قوله “نحتفظ بحرية العمل العسكري الكاملة بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة. وإذا انتهك حزب الله الاتفاق أو حاول معاودة التسلح، فسوف نضربه بقوة”. نتنياهو تحدث عما حققه فقال “أعدنا حزب الله عقوداً إلى الوراء وقضينا على كبار قادته، ودمرنا معظم صواريخه وقذائفه، وحيًدنا آلاف المقاتلين، ومحونا البنية التحتية للإرهاب التي شيدها على مدى سنوات قرب حدودنا”. وأضاف “ضربنا أهدافاً استراتيجية في أنحاء لبنان وزلزلنا بيروت حتى الأعماق”. كما كان لافتاً التهديد الذي وجّهه نتنياهو إلى الرئيس السوري بشار الأسد من خلال مخاطبته “أنت تلعب بالنار”.
ومن بين البنود التي سرّبت عن الاتفاق:
-كل بيع أو توريد أو إنتاج للأسلحة أو المواد المتعلقة بالأسلحة إلى لبنان سيكون تحت إشراف وسيطرة الحكومة اللبنانية.
-سيتم تفكيك جميع المنشآت غير القانونية المعنية بإنتاج الأسلحة والمواد المتعلقة بها.
سيتم تفكيك جميع البنى التحتية والمواقع العسكرية، وستتم مصادرة أي أسلحة غير قانونية لا تتماشى مع هذه الالتزامات.
وليلاً تحدث الرئيس الأميركي جو بايدن فحمَّل “حزب الله” مسؤولية اندلاع الحرب، معتبراً أن إسرائيل دمرت البنية التحتية لـ”حزب الله في جنوب لبنان.