محطات من محاولة “حزب الله” السيطرة على الجيش
ثمة مَن يلعب بالنار في موضوع المؤسسة العسكرية، يصوِّب على قائد الجيش فيصيب المؤسسة ككل. وصل الأمر بأحدهم أن كتب أمس: “بدأت الأصوات ترتفع من ضباط كبار (ليسوا من الطائفة الشيعية)، ينصحون مرجعيات سياسية بالانتباه من مخاطر دفع الجيش إلى صدام مع “حزب الله”، لأن ذلك سيؤدي إلى حالات تمرّد وربما إلى انشقاق كبير داخل المؤسسة العسكرية”.
ليست المرة الأولى التي يورِد كاتب هذه الهرطقة أو هذه السفسطة عن “انشقاق كبير داخل المؤسسة العسكرية”، سبق أن كتب منذ فترة قائلاً: قد يكون مفيداً لقائد الجيش أن يراجع بنفسه الحقبة التي كان العماد إبراهيم طنوس قائداً للجيش فيها، وكيف قادت سياسة طنوس المؤسسة العسكرية إلى الانقسام والانهيار وحوّلتها إلى مجموعة جيوش يخضع كل منها لوصاية مرجعيات سياسية وطائفية مثّلت الانقسام الذي عاشه لبنان. وهو انقسام لم يسقط بعد”.
كأن الكاتب يريد أن يقول إن سياسة قائد الجيش العماد جوزيف عون ستؤدي إلى ما أدت إليه سياسة إبراهيم طنوس في قيادة الجيش من شرذمة وانقسام.
هذا التهويل ليس غريباً على كاتب المقال، لأنه في وعيه ولاوعيه يهوِّل بسوابق أقل ما يقال فيها إنها دمَّرت البلد.
حين طُرِحَت مقولة “شعب وجيش ومقاومة”، كانت القطبة المخفية أن هذه الثلاثية جسد واحد لا ينفصم، وتحديداً لا جيش من دون مقاومة، تصرف “حزب الله” على هذا الأساس. مَن يذكر حادثة استشهاد النقيب الطيار سامر حنا الذي أسقطت مروحيته رصاصات “حزب الله”، وخرج العماد ميشال عون ليبرّر فعلة “الحزب” ويقول”: “شو راح يعمل النقيب حنا هونيك”؟
ومَن يتذكَّر كيف حاول الأمين العام السابق لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله منع الجيش اللبناني من اقتحام مخيم نهر البارد حين قال: “نهر البارد خط أحمر”.
متلازمة “شعب وجيش ومقاومة” كانت تعني من منظور “حزب الله” أن الجيش والشعب في خدمة المقاومة. والأمثلة والوقائع كثيرة:
حين باشر الجيش تنفيذ خطة أمنية في الضاحية الجنوبية، شنَّ إعلام الممانعة حملةً على ضابط المخابرات فيها العميد ماهر رعد الذي تولّى تنفيذ الخطة، وحين حصلت حادثة الطيونة، وجَّه إعلام الممانعة سهام الإتهامات إلى الجيش.
ولإنعاش ذاكرة الإعلام الممانع، فإن ضرب هيبة الجيش من خلال الانقسام والإنشقاق، بدأ منذ العام 1975، فلو وافقت “الممانعة” آنذاك على إنزال الجيش، لَما تشرذم وانهار البلد. وفي السادس من شباط 1984، أُسقط الجيش في بيروت الغربية من خلال الطلب إلى اللواء السادس عدم تلقي الأوامر من قائد الجيش، وهذا ما تسبب في تحويل بيروت الغربية إلى مستنقع فوضى دفع بالرئيس نبيه بري إلى القول: “تحولت بيروت الغربية إلى قميص وسخ”.
اليوم، ماذا تريد الممانعة، وتحديداً “حزب الله” من الجيش؟
يريد أن يختار هو قائد الجيش، أو على الأقل أن يكون له القرار النهائي في التسمية، وأن يكون له الحق في وضع فيتو على هذا الاسم أو ذاك.
يريد أن تكون له الكلمة الفصل في تسمية مدير المخابرات، ومَن لا يصدِّق ليراجِع الرئيس ميشال سليمان، وكيف رفض “حزب الله” أكثر من اسم، إلى أن استقر الرأي على اسم، بعدما رفض “الحزب” أسماء أربعة ضباط.
يريد أن يسمي ضباط مخابرات المناطق ولا سيما بيروت والضاحية والبقاع والجنوب.
يريد ان يسمي رئيس جهاز أمن المطار، ومَن لا يوافق على اسمه لا يمكن أن يمر.
يريد أن يوافق على اسم رئيس المحكمة العسكرية.
يريد نسخاً عن محاضر تحقيقات المحكمة العسكرية، ووصل به الأمر أحياناً إلى طلب تقارير مديرية المخابرات
هذا غيض من فيض ما يريده “حزب الله” من الجيش اللبناني، وقد اعتاد على هذه “المونة” خصوصاً منذ وجود العماد إميل لحود على رأس قيادة الجيش، وهو الذي شرَّع أبواب المؤسسة العسكرية لـ”حزب الله”.
ما أراده “حزب الله” من الجيش، حقق الكثير منه في فترات متلاحقة، وهو ما كان يثير امتعاض السياديين وحتى الدول الغربية التي تساعد الجيش مادياً وعينياً. ورغم كل هذه المحاولات قيادة الجيش مطمئنة إلى تماسكها الداخلي حيث لمست وبالوقائع وفي محطات عدة أن ضباط الجيش، وتحديداً الشيعة مثلاً، هم الوطنيون الشيعة في الجيش، ولا انتماء آخر لهم خارج دائرة الوطن والمؤسسة العسكرية.
ووصل الأمر بـ”حزب الله” في الحرب الحالية، إلى تحويل الجيش إلى جهاز إسعاف ينقل القتلى والجرحى من “الحزب”، وكلفته هذه المهمة اكثر من أربعين شهيداً.
ومع ذلك يأتي من يهدّد قيادة الجيش بانشقاق ضباط وبتحويل الجيش إلى شراذم.
السؤال هنا: ألا يستحق ما كتبه إعلام الممانعة أن يتم تحويل كاتبه إلى المحكمة العسكرية لأنه يضرب معنويات الجيش؟ أم أن مهام المحكمة المذكورة يحددها “حزب الله” أيضاً؟
هذا الاستهداف للمؤسسة العسكرية يأتي في سياق الخطة الممنهجة التي دأب عليها “حزب الله” خصوصاً بعد عام 2005، والتي بدأت تعطيل عمل مجلس الوزراء عبر الاستقالات الطائفية، ثم تعطيل دور المجلس النيابي إن لجهة التشريع والمراقبة أو لجهة انتخاب رئيس للجمهورية، وبدا واضحاً أن ضرب الجيش هدفه إضعاف المؤسسات الشرعية بكل الطرق الممكنة فيما لبنان على مشارف مرحلة جديدة يمكن أن تحمل معالم الاستقرار.
رأت مصادر بكركي عبر “نداء الوطن” أن هناك حملة منظمة تشن على الجيش وقائده من أجل حرف الأنظار عن الخسائر التي مني بها من يشن الهجوم.
ولفتت المصادر إلى أن هذه الحملة لن تهدّ من هزيمة الجيش ولن تردعه عن فرض سيطرته على كل لبنان وتقوية الدولة وبسط سيادتها.
وأكدت أن الجيش واحد موحّد، حتى من كان يصنف على أنه يدعم من يحمل السلاح خارج إطار الدولة نراه اليوم في عدة مناطق بقاعية وجنوبية يرفع علم لبنان والجيش بدل العلم الحزبي في دلالة الى الالتفاف الوطني الكبير حول الجيش من كل الطوائف وفي طليعتهم الطائفة الشيعية التي تحملت ويلات حروب الآخرين على أرض لبنان.
في المواقف السياسية التي ترقى إلى مستوى الحدث، كان لافتاً التوضيح الذي أدلى به مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشؤون العربية والشرق الأوسط مسعد بولس، عن اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل. يقول مسعد لمجلة “لوبوان” الفرنسية:”اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل هو اتفاق تاريخي للبلدين، وهو شامل للغاية ويغطي كل النقاط الضرورية. كان هناك سوء فهم في البداية، خصوصاً في لبنان، حيث اعتقد البعض أن الوثيقة تتعلق فقط بالمنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، لكن هذا غير صحيح. الاتفاق يشمل البلد بأكمله، ويتناول مسألة نزع سلاح جميع المجموعات المسلحة، سواء الميليشيات أو الجماعات شبه العسكرية”.
في ملف لجنة المراقبة، اللجنة ستعقد اجتماعها الأول غداً الجمعة، وفي معلومات “نداء الوطن” أن اللجنة ستبدأ اجتماعاتها ببند القطاع الغربي، وكان نقاش ما قبل الاجتماع مَن ينسحب اولاً الجيش الإسرائيلي أو “حزب الله”، وتقول المعلومات إن الجيش اللبناني حاسم في مجال الانسحاب الكامل، وفق الاتفاق، ولا تهاون في ذلك.