النظام يخسر معابر حدودية جنوباً وشرقاً
تتهاوى تماثيل رموز النظام السوري من “المؤسّس” حافظ الأسد إلى “الوريث” بشار الأسد، في المدن والبلدات التي يدخلها مقاتلو الفصائل المسلّحة، في مشهد يؤشر إلى نهاية حقبة وبداية أخرى لم تتضح معالمها بعد. تتقلّص جغرافية “سوريا الأسد” بشكل هائل مع مرور الساعات، وكأن “بلاد الشام” التي ضاقت ذرعاً بعد عقود من الاضطهاد والظلم والمآسي، تلف حبل المشنقة حول “رقبة” النظام حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة.
تقرع “هيئة تحرير الشام” وأخواتها أبواب حمص بقوّة، فيما انفلشت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في الرقة ودير الزور بعد انسحابات مفاجئة لقوات النظام والميليشيات الإيرانية، فاقتحمت “قسد” مدينة دير الزور وأحكمت سيطرتها على معبر البوكمال الحدودي مع العراق، ما يقطع عمليّاً “الشريان الحيوي” للأذرع الإيرانية الذي يصل طهران ببيروت.
بالتوازي، تحرّكت قوى معارضة وفصائل مسلّحة في الجنوب، فخرجت مدينة السويداء بشكل شبه كامل عن سيطرة النظام، في حين تخوض الفصائل مواجهات في أرياف درعا حيث بدأت القوات السورية تفقد سيطرتها على مناطق عدّة. كما سيطرت الفصائل على معبر نصيب الحدودي مع الأردن.
وفي وقت حدّد فيه زعيم “الهيئة” أحمد الشرع المعروف بـ “أبو محمد الجولاني”، هدف هجوم الفصائل بـ “إسقاط النظام” و”بناء مؤسّسة حكم” وإعادة اللاجئين، بدأت “الفرقة الرابعة” التي يقودها شقيق رئيس النظام ماهر الأسد، بـ “تحصين” دفاعات العاصمة، خصوصاً منطقة دير عطية في ريف دمشق والتي تبعد 88 كلم إلى الشمال من العاصمة على الطريق المؤدي إلى مدينة حمص، ما اعتبره مراقبون بمثابة تسليم من قِبل النظام بحتمية سقوط حمص، أو أقلّه بارتفاع احتمال خسارتها.
تسود حالة من القلق والترقب بين سكّان دمشق الذين يشهدون انهيار المدن والبلدات بأيدي الفصائل كأحجار “الدومينو”، بينما يتراجع جيش النظام ضمن خطّة مفترضة يزعم أنها لـ “إعادة التموضع”، إن استمرّت على هذا المنوال، ستبلغ قريباً نقطة اللاعودة وتصل إلى مرحلة “التموضع الأخير”. وما أثار الخوف في نفوس أنصار الأسد وطرح أكثر من علامة استفهام حول مصير النظام، طلب السفارة الروسية في دمشق من الرعايا الروس أمس، مغادرة البلاد على متن رحلات تجارية.
هذا الواقع السوداوي لدمشق يُقابله كلام أكثر منه أفعالاً، يبدو أن حليفتها طهران عاجزة حتى اللحظة عن تحقيقها، لكن مسؤولاً إيرانياً كبيراً حسم لوكالة “رويترز” أن بلاده اتخذت “كلّ الخطوات اللازمة لزيادة عدد مستشاريها العسكريين في سوريا ونشر قوات”، مرجّحاً أن تحتاج طهران إلى إرسال معدّات عسكرية وصواريخ وطائرات مسيّرة إلى سوريا، في حين أن أذرعها على الأرض تتقهقر دراماتيكيّاً.
وفي السياق الدبلوماسي لحراك “محور الممانعة”، استضافت بغداد اجتماعاً ثلاثيّاً لوزراء خارجية العراق وإيران وسوريا الذين اعتبروا في بيان مشترك أن “تهديد أمن سوريا يُشكّل خطراً عاماً على استقرار المنطقة برمّتها”، مؤكدين أن “لا خيار سوى التنسيق والتعاون والتشاور الدبلوماسي المستمرّ”.
كما دعوا إلى “حشد الجهود العربية والإقليمية والدولية من أجل التوصّل إلى حلول سلمية للتحدّيات التي تواجهها المنطقة وسوريا”، فيما رأى المراقبون أن بغداد ما زالت تدوس على “الفرامل” ولم تذهب إلى حدّ التدخل العسكري المباشر في سوريا حتى اللحظة، مؤكدين أن طهران في المقابل تعمل على “تحشيد” أذرعها لإنقاذ نظام الأسد ومنع قطع “الهلال الولائي” من طهران إلى بيروت
وكان معبّراً كلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أكد أن هدف هجوم الفصائل هو دمشق، آملاً في “أن تتواصل هذه المسيرة في سوريا من دون أي مشكلات”، بينما يجتمع وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران في الدوحة اليوم لإجراء محادثات في شأن سوريا. ويترقب المراقبون ما قد ينتج عن هذا اللقاء من تعهدات أو تنازلات.
كما كان لافتاً ما كشفه قائد “قسد” مظلوم عبدي عن “تحرّكات متزايدة لمرتزقة “الدولة الإسلامية” في البادية السورية وفي جنوب دير الزور وغربه وريف الرقة”، موضحاً أن قواته لديها “قنوات اتصال” مع “هيئة تحرير الشام” من أجل حماية الأكراد الذين يعيشون في مدينة حلب. وإذ أكد أن “قسد” لم تشتبك مع “الهيئة”، شدّد على أن قواته ستدافع عن نفسها إذا تعرّضت لهجوم، لافتاً إلى أن “قسد” على اتصال مع كل من واشنطن وموسكو لحماية المناطق الخاضعة لسيطرتهما.
وأدّت المعارك والقصف الجوي منذ بدء عملية “ردع العدوان”، إلى سقوط 826 قتيلاً، من بينهم 111 مدنيّاً، وفق “المرصد السوري”، في حين نزح 280 ألف شخص، بحسب الأمم المتحدة التي حذّرت من احتمال ارتفاع هذا العدد إلى مليون ونص المليون شخص.
في الغضون، عزّز الجيش الإسرائيلي قواته الجوّية والبرّية في هضبة الجولان في جنوب غرب سوريا، مؤكداً استعداده لكافة السيناريوات، فيما يتوقع المراقبون أن تلجأ الدولة العبرية إلى إقامة “منطقة عازلة” داخل الأراضي السورية، خصوصاً في حال تدهورت أكثر الأوضاع العسكرية والأمنية في العاصمة والمناطق الجنوبية.