الجولاني يوقِّع ورقة إسقاط الأسد
لا يمكن اعتبار أن سقوط الرئيس السوري بشار الأسد هو سقوط لشخص كان على رأس النظام، بل سقوط لمنظومة حكمت سوريا منذ الرئيس الراحل حافظ الأسد، والد بشار، والذي نجح في انقلاب 1970، ثم أصبح رئيساً بعد استفتاء شعبي عام 1971، ومنذ ذلك التاريخ وعائلة الأسد، وأصل الاسم عائلة «الوحش» تحكم سوريا بالحديد والنار، متَّكئةً على «اتفاق» غير معلن مع إسرائيل على ضبط جبهة الجولان، وعلى اتفاق غير معلن مع الولايات المتحدة الأميركية على ضبط جبهة الجنوب، والتحكم بأداء منظمة التحرير الفلسطينية. هذان الاتفاقان غير المعلنين بين سوريا وإسرائيل من جهة، وسوريا والولايات المتحدة الأميركية من جهة ثانية، أتاحا للرئيس حافظ الأسد أن يحافظ على الاستقرار في سوريا وأن يمسِك بالورقتين اللبنانية والفلسطينية، كان ذلك في تحوُّل قوات الردع العربية إلى «قوات الردع السورية» بعدما سحبت الدول العربية المشاركة فيها، مجموعاتها، فخلت الساحة للرئيس حافظ الأسد ليتحكَّم بالساحة اللبنانية، بكل مفاصلها السياسية والعسكرية.
لم يقتصر التحكّم السوري على الجوانب السياسية والعسكرية، بل امتد إلى الجوانب الدبلوماسية، غادر السفراء العرب تباعاً بيروت، ومَن لم يغادِر بالترغيب، غادر بالترهيب، ولعلّ تفجير السفارة العراقية في بيروت الدليل الأسطع على أن الرئيس الأسد لم يكن يريد في بيروت أي تمثيل دبلوماسي، ولا سيما أيّ تمثيل عربي، كان وزراء الخارجية اللبنانيون يعانون هيمنة نظرائهم السوريين عليهم، وبدعة «تلازم المسارين السوري واللبناني» كانت «كلمة السر» بالنسبة إلى الدبلوماسية السورية حيال الدبلوماسية اللبنانية، ولعلّ أبرز وزراء الخارجية اللبنانيين الذين عانوا من هذه الهيمنة، وزير الخارجية الراحل فؤاد بطرس، وكان وزراء الخارجية السوريون المتعاقبون، من عبد الحليم خدام إلى فاروق الشرع إلى وليد المعلِّم، يحاولون دائماً فرض سطوتهم وسيطرتهم على نظرائهم اللبنانيين.
كان النظام السوري في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد يعرف كيف يجمِّع الأوراق بين يديه: الورقة اللبنانية والورقة الفلسطينية وورقة المنظمات الدولية المسلحة، من الجيش الأحمر الياباني إلى الحزب العمالي الكردي، وحتى المنظمات التي كانت منشقة عن منظماتها الأصلية كانت تجد في النظام السوري احتضاناً، من «أبو موسى» عند الفلسطينيين، إلى الجبهة الشعبية القيادة العامة، إلى غيرهم. كان حافظ الأسد مولعاً بتجميع الأوراق بين يديه ولذلك كانت معظم الأنظمة، العربية منها والأجنبية، تشعر أنها بحاجة إليه.
تراجعت سوريا كثيراً بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد وانتقال السلطة إلى نجله بشار، لم يكن طبيب الأسنان مؤهلاً لهذا الدور، لكن وفاة نجله باسل، وضعه في هذا الموقع، لكن شتَّان ما بين الأب الداهية والابن المبتدئ في السياسة.
تعاطى بشار الأسد بفوقية مفرِطة مع القادة اللبنانيين ولا سيما منهم الرئيس رفيق الحريري، فرض عليه التمديد بالقوة للرئيس إميل لحود، واتهمه بأنه يقف وراء القرار 1559، وهو القرار الذي تسبب في اغتيال الرئيس الحريري بقرار من سوريا وتخطيط وتنفيذ من «حزب الله».
اندلعت الثورة السورية، وعلى مدى ستة أشهر كانت لاعنفية، لكن النظام السوري استخدم العنف في قمعها، فدخل السلاح، وانتقلت الثورة إلى مكان آخر
مقتل النظام السوري كان في تحوله إلى ساحة خلفية لـ «حزب الله» لتخزين أسلحته وذخائره، مستفيداً من موقعه الجغرافي كصلة وصل بين إيران ولبنان، عبر العراق والأراضي السورية، كان هذا الواقع الجغرافي لسوريا عنصر إقلاق لإسرائيل التي وجدت في النظام السوري «بؤرة» لا يمكن إبقاؤها كما هي. بُلِّغَت دمشق بالأمر فكان أسلوب الرئيس الأسد المماطلة وعدم حسم الموقف، إلى أن اتُّخِذ القرار بأنها ما اصطُلِح على تسميته «الحالة السورية الشاذة».
وكانت الساعة الصفر، تقاطعت مصالح أكثر من دولة على إنهاء هذه الحالة الشاذة:
تركيا أولاً، بغضِ طرْفٍ من روسيا، وإصرار من الولايات المتحدة الأميركية، وعدم ممانعة إيرانية التي آثرت الحفاظ على الملف النووي من القتال للحفاظ على النظام السوري.
وكان «حزب الله» خارجاً منهكاً من معركة الإسناد والمشاغلة ثم من معركة «أولي البأس»، فاستطاعت الفصائل المعارِضة المسلحة أن تتقاطع مع كل هذه المعطيات لتصل فجر الثامن من كانون الأول إلى تحقيق ما لم يكن بالإمكان تحقيقه: سقوط بشار الأسد. هذا السقوط لا يعني سقوط رئيس النظام فحسب بل سقوط النظام ككلّ، ومعه قد يسقط «حزب البعث» برمته، فكيف سيكون عليه الوضع بعد هذا السقوط المتلاحق الذي يأخذ طابع السقوط بالجملة؟
ما هو مؤكد أن سوريا جديدة على عتبة الولادة متحررة من أغلال كبلتها على مدى أربعة وخمسين عاماً، فهل تستفيد من تجارب وأخطاء مَن سبقها من دول في مسار الربيع العربي؟ وهل تكون سوريا الجديدة العامل الذي سيؤدي إلى إعادة الجمهورية الإيرانية الإسلامية إلى داخل حدود إيران، فيكون تصدير الثورة الإسلامية مشروعاً وُضع حدّاً له، بعد خمسة وأربعين عاماً من التجارب التي دمرت أكثر من بلدٍ عربي؟
المفارقة أمس أن القائد العسكري لهيئة تحرير الشام، أحمد الشرع المعروف بالجولاني وصل إلى دمشق وظهر في مقطع فيديو وهو يسجد.
في المقابل ، الأسد وصل إلى موسكو بعدما منحته روسيا وعائلته حق اللجوء لأسباب إنسانية.