Site icon IMLebanon

نداء الوطن: … لكم استقلالكم ولنا استقلالنا

عون يحذّر المتظاهرين من “حرب مدمّرة”: العبرة لمَن اعتبر

“استقلالان” يتنازعان المشهد اللبناني اليوم، واحد عسكري تحتفل به السلطة وآخر مدني يحتفل به الشعب الثائر على هذه السلطة وفساد رموزها. الاستقلال الأول سينحصر ضمن نطاق وزارة الدفاع في اليرزة بعدما آثرت السلطة إلغاء الاستعراض العسكري التقليدي في جادة شفيق الوزان في وسط بيروت خشية الالتحام المباشر مع غضب الناس، والاستقلال الثاني لا تحدّه جدران ولا ينحصر ضمن ثكنات ولا أسلاك شائكة إنما أفقه مفتوح على امتداد ساحات الوطن من أقصاه إلى أقصاه حيث سيشهد لبنان عرضاً استقلالياً هو الأول من نوعه من أفواج مواطنيه الطامحين الى انتشال بلدهم من بين براثن منظومة المحاصصة والتحاصص التي نهبت مقدراته وجففت منابع خزينته. إنها الثورة تقول اليوم بأعلى الحناجر وبقرقعة الطناجر لأهل الحكم: لكم استقلالكم ولنا استقلالنا.

وبينما الثوار يتحضرون لـ”المارش” المدني تحت رايات ويافطات مختلف قطاعات الشعب المنتفض ليتلاقوا في ساحة الشهداء مع “فوج” المغتربين القادمين في تظاهرة حاشدة تحت شعار “عا هدير الطيارة راجعين” من المطار إلى ساحة الشهداء، لا يزال أرباب السلطة على كراسيهم لا يحركون ساكناً إزاء مطالب الناس خارج إطار المراوحة واستنزاف الوقت في البحث عن سبل الالتفاف على الحلول المطلوبة شعبياً وأولها تشكيل حكومة اختصاصيين منزهة من الطبقة السياسية. حتى من راهن بالأمس على أن تفتح رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون لمناسبة الاستقلال باب الفرج و”الإفراج” عن الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس جديد للحكومة العتيدة، سرعان ما خاب رهانه بعدما لم تتضمن كلمة عون أي “حرف” موصول بالملف الحكومي إنما طغت عليها صبغة تقليدية في مقاربة مشهد التأزم الوطني، مع رسالتين بارزتين موجّهتين للجيش والشعب.

رئيس الجمهورية وضع العسكريين أمام مهمة تحقيق التوازن بين كفتي “ميزان الثقة” التي يجب أن يحافظوا عليه عبر تأمين حرية تنقل المواطنين الراغبين بالذهاب إلى أعمالهم وبيوتهم، مقابل تأمين حرية المواطن الذي يريد التعبير عن رأيه بالتظاهر والاعتصام. أما للمتظاهرين فتحذير صريح من مغبة المضي قدماً نحو “حرب داخلية مدمرة” قياساً على تلك التي شهدها أهلهم إبان الحرب الأهلية ليختم عون رسالته على وقع هذا التحذير بعبارة: “العبرة لمن اعتبر”.

وفي الملف الحكومي، تواترت أنباء ومعلومات عن مروحة أسماء مرشحة لرئاسة الحكومة جاري العمل على التشاور بشأنها مع الرئيس سعد الحريري بغية تزكيته أحدها قبل الدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة، وفي هذا الإطار تردد ليلاً على شريط هذه الأسماء المرشحة لخلافة الحريري إسم اللواء مروان الزين الذي كان قد شغل سابقاً منصب سفير لبنان في الرياض وموقع المدير العام لقوى الأمن الداخلي، وقيل إن حظوطه بدت مرتفعة خلال الساعات الأخيرة وفق مؤشر بورصة المشاورات المفتوحة بين بعبدا وعين التينة والضاحية من جهة وبيت الوسط من جهة ثانية.

وكانت سلسلة مواقف دولية داعية إلى تسريع عجلة “التكليف والتأليف” قد بلغت المسؤولين بالأمس، وفي مقدّمها موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي شدد في برقيته إلى عون على وجوب تشكيل “حكومة لبنانية جديدة تستجيب لحاجات اللبنانيين ببناء بلد مستقر مزدهر مستقل وآمن”، في وقت نشرت السفارة الأميركية في بيروت صورةً للعلم اللبناني، عبر حسابها الرسمي على “تويتر”، مرفقة بتعليق باللغتين العربية والانكليزية: “مع الشعب اللبناني اليوم وغداً”.

وكذلك أملت فرنسا بشدة “تشكيل حكومة جديدة فعالة وذات مصداقية في أقرب وقت ممكن لاتخاذ إجرءات جوهرية وضرورية لانعاش البلد ولتلبية التطلعات التي عبَّرَ عنها اللبنانيون”. كما أوضح المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش أنه “دعا القيادة اللبنانية الى تكليف رئيس مجلس وزراء بصورة عاجلة والبدء بعملية الاستشارات النيابية الملزمة والإسراع إلى أقصى حد في عملية تشكيل حكومة جديدة من شخصيات معروفة بكفاءتها ونزاهتها وتحظى بثقة الناس”.

أما على المقلب الدولي الآخر، فيبدو أنّ موسكو أعادت حساباتها تجاه الملف اللبناني بعدما ظهرت في الآونة الاخيرة في مظهر المعادي للثورة الشعبية اللبنانية، بحيث حرصت مصادر دبلوماسية روسية على نفي الكلام الذي تردد عن اتفاق بين موسكو وطهران على إجهاض الثورة في لبنان، مؤكدةً أنه “كلام عارٍ من الصحة”. وكشفت لـ”نداء الوطن” أنّ “موضوع لبنان والمأزق السياسي الذي يمر فيه سيكون على طاولة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف وعلى طاولة مسؤولين آخرين في الكرملين لاتخاذ الموقف المناسب إزاء هذا الموضوع”، موضحةً رداً على سؤال أنّ “موسكو لم تتخذ أي موقف رسمي تجاه الأزمة اللبنانية بعد إنما ما قاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في فرنسا عن عدم واقعية حكومة التكنوقراط في لبنان كان في إطار مناقشة الأفكار التي تُطرح ولم يجسد بذلك موقفاً روسياً رسمياً”.

وإذ قللت من أهمية ما يُحكى عن أنّ الإدارة الروسية تنظر إلى الثورة اللبنانية باعتبارها مؤامرة تقف وراءها واشنطن، أكدت المصادر أنّ “موسكو ترحب بعودة الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة فهو صديق لها، لكنها في الوقت عينه لا تتدخل بشكل الحكومة الجديدة بل هي تساعد فقط لبنان عبر التواصل بين أطرافه المتخاصمين الذين يبقى لهم وحدهم القرار في تحديد شكل الحكومة ورئيسها والأولويات التي تضعها أمامها”.