بمعزل عن التئام مجلس الوزراء من عدمه وعن طرح “رفع العتب” لقضية قبرشمون من خارج جدول أعماله، وبعيداً عما رست عليه خطوط الاتصالات المفتوحة على مختلف الجبهات الساخنة لرسم خيوط “المقبول وغير المقبول” ضمن إطار إعادة لم الشمل الحكومي، ثمة ثابتتان أكيدتان انتهى إليهما مشهد الكباش المحتدم بين جبهتي “بعبدا” و”المختارة”… الثابتة الأولى التي التقى عليها أهل الحكم “مكرهين لا أبطالاً” تتمحور حول إسقاط خيار إحالة ملف حادثة البساتين إلى المجلس العدلي على قاعدة سقوط “العدلي” أهون من سقوط البلد في هاوية الانهيار الاقتصادي، بينما تبقى الثابتة الثانية تختزن مؤشرات معركة مفتوحة في السياسة والقضاء بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي أعلن صراحةً أمس تأهبه لـ”انتقام رئيس البلاد ومَن خلفه”، متسلحاً في المقابل بـ”الصبر والهدوء إلى يوم الدين”.
وفي تفاصيل مستجدات يوم الأمس الماراتوني، فما إن خرج رئيس الحكومة من لقاء القصر الجمهوري متحدثاً عن “حلول باتت في خواتيمها” حتى تسارعت الأحداث وهبت رياح التفاؤل من كل حدب وصوب وانعقدت الآمال على انتهاء الأزمة الحكومية خصوصاً بعد استنفار جهود المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم بدءاً من انضمامه إلى اجتماع عون والحريري مروراً بجولات مكوكية قام بها باتجاه مختلف الأطراف المعنية. لكن ما هي إلا ساعات معدودات حتى عادت عقارب التفاؤل إلى الوراء وتقدمت مؤشرات عرقلة فكرة “انعقاد مجلس الوزراء بجدول أعمال جلسة الثاني من تموز على أن يطرح عون ملف قبرشمون من خارج الجدول من زاوية إعادة التأكيد على خطورة ما حصل”… لتصبح المعادلة في محصلة المشهد الحكومي حتى ساعة متأخرة من الليل “إلى الوراء دُر”… سواء انعقدت بجدول أعمال يعود بالزمن إلى أكثر من شهر أم أدت انتكاسة جهود الأمس إلى تراجع حظوظ انعقادها اليوم.
و”إذا مش الجمعة، السبت وإلا بعد العيد”، أصبحت خلاصة اجتماع الـ 45 دقيقة الذي جمع في قصر بعبدا رئيسي الجمهورية والحكومة والذي شارك في جزء منه اللواء ابراهيم لوضع اللمسات الاخيرة على خريطة التحرك التسووي للأزمة. وفي المعلومات التي حصلت عليها “نداء الوطن” أنّ الحريري في الاجتماع كان حازماً في التأكيد على وجوب السرعة في دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد قبل حلول العيد، من دون حاجة لمهلة الـ 48 ساعة بعد توزيع جدول الأعمال لكونها جلسة تُعقد بجدول أعمال جلسة الثاني من تموز التي تم تطييرها حينها. وبحسب المعلومات نفسها أنّ عون شجّع الحريري على توجهه هذا، انطلاقاً من أنّ عقد أي جلسة لمجلس الوزراء لا يجب ان يكون مشروطاً بعدم التطرق لحادثة البساتين – قبرشمون ليس على قاعدة التصويت إنما في إطار العرض والنقاش السياسي الذي عادةً يسبق أو يلي البحث في جدول الأعمال، وانطلاقاً من توافق مسبق على أن يكون “النقاش “بناءً وليس بهدف القصف المتبادل”.
وقبل اصطدامها بأجواء ضبابية لا سيما بعد زيارته “دارة خلدة”، كانت حركة اللواء ابراهيم تتمحور حول توفير المناخ السياسي الآمن لانعقاد مجلس الوزراء بعد ظهر اليوم أو غداً السبت، على أن يتم ترحيل الجلسة في أبعد تقدير إلى ما بعد عطلة الأعياد وتحديداً يوم الأربعاء المقبل قبل توجه الحريري إلى واشنطن لعقد اجتماعات مع كبار المسؤولين الأميركيين وفي مقدمهم نائب الرئيس مايك بنس ووزير الخارجية مايك بومبيو. علماً أنّ مصادر “بيت الوسط” أعربت لـ”نداء الوطن” عن تعويل الرئيس الحريري على أن تسفر الاتصالات المكوكية الجارية والتي استمرت حتى ساعات متأخرة من ليل الأمس عن بلورة اللمسات الأخيرة على عملية تأمين أرضية انعقاد مجلس الوزراء “بلا شروط مسبقة” مع إمكانية التطرق إلى حادثة قبرشمون “في الحدود التي تؤمن المسار الإيجابي للجلسة من دون عرض أي اقتراح بإحالتها إلى المجلس العدلي”.
اما على صعيد المصالحة الدرزية – الدرزية، فيبدو حسبما أفاد مصدر واسع الاطلاع “نداء الوطن” أنها خرجت عن إطار الرعاية الرئاسية ووضعت في إطار المسعى الجاد والصامت الذي يقوم به كبار مشايخ طائفة الموحدين الدروز لتهدئة النفوس واتخاذ خطوات نحو الوقوف على خاطر أهالي الضحايا، بعيداً من ربط عمل مؤسسات الدولة بمسار هذه المصالحة.