“على اللبناني”… انتهت قضية قبرشمون إلى “صلحة بعد عداوة” وسرعان ما تهاوت السقوف العالية نحو الدرك الأسفل من التعقيد ليتحوّل المشهد بقدرة قادر من تصعيد إلى تبريد ومن صدام إلى وئام. فبعد أربعين يوماً على حادثة البساتين التي شلت البلد وجرّت اللبنانيين إلى انقسام عمودي نكأ جراح الاقتتال الطائفي في الجبل لا سيما مع محاولة نقل دفة “الكمين” من صالح الغريب إلى جبران باسيل، نجحت جهود رئيس المجلس النيابي نبيه بري في إعادة بوصلة الإشكال إلى مربعها الدرزي الأول، مكرساً إنجاز مصالحة عشائرية بين رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط والنائب طلال أرسلان برعاية “بيّ العشيرة” اللبنانية رئيس الجمهورية ميشال عون وحضور كل من بري ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري في قصر بعبدا.
وفي خلاصة المشهد، ارتسمت معالم الخطوط العريضة للمصالحة لتسجل في الشكل إخراجاً تسووياً في القصر الجمهوري برعاية عون وإن على حساب التراجع عن رفضه المسبق للحلول العشائرية، بينما في الجوهر كان الإنجاز مستحقاً لبري، في حين خرج الحريري بحكومته سالماً غانماً مع عودتها للالتئام اليوم. أما في السياسة، فعلى قاعدة “ما قلّ ودلّ”، أتت كلمة “مرتاح” التي عبّر عنها جنبلاط إثر لقاء بعبدا معطوفة على مروره “مرور الكرام” في سيارته ليلاً في قبرشمون، لتؤشر إلى انتصار سياسي حققه زعيم المختارة بمؤازرة حلفائه سواء في إسقاط خيار “المجلس العدلي” أو في إعادة إحياء ثقل “بيضة القبان” الذي يجسده في ميزان اللعبة الداخلية، في وقت بدا “لا تعليق” أرسلان من القصر الجمهوري بمثابة “المجبر لا البطل” في حسابات المصالحة وإن كان من المتوقع اليوم أن يدلو بدلوه في المؤتمر الصحافي الذي سيعقده بوصفه حائزاً على شهادة مصادق عليها رئاسياً بالندّية المأمولة مع جنبلاط في الزعامة الدرزية.
أما في ماورائيات تداعي “حزب الله” لدفع أرسلان وحلفائه نحو تسريع الحل وإعادة الانتظام إلى الحياة العامة تحت سقف مجلس الوزراء، فمن المؤكد أنّ جملة من المعطيات ساهمت في بلورة صيغة “المصارحة والمصالحة”، بداية على المستوى المحلي من نجاح ثلاثية “الحريري – الاشتراكي – القوات” في إعادة التأكيد على مكانتهم الضامنة لتحقيق التوازن ضمن المعادلة السياسية الداخلية، وصولاً إلى تلمّس “الحزب” المظلة الدولية التي لا تزال ترعى الوضع في لبنان وتحول دون انهيار الهكيل فيه، من خلال جملة الرسائل الأميركية والأوروبية التي صبت خلال اليومين الماضيين في خانة التشديد على منع تجاوز الخطوط الحمر المرسومة دولياً لحماية الاستقرار الأمني والاقتصادي في لبنان.
وفي بانوراما المواقف من لقاء بعبدا، استطلعت “نداء الوطن” أوساط الفاعلين على خط المصالحة، فكان تأكيد من مصادر “عين التينة” على أنّ ما حصل أتى تتويجاً لمبادرة الرئيس بري التي قامت على التدرّج في معالجة ملف قبرشمون من المصالحة إلى تأمين انعقاد مجلس الوزراء على أن تتبع مصالحة جنبلاط – أرسلان خطوات عملية لا سيما بين “الاشتراكي” و”حزب الله”، ربطاً بوجود رغبة مشتركة لدى الطرفين لطيّ صفحة التأزم في العلاقة بينهما.
بدورها، أوضحت مصادر “بيت الوسط” أنّه وبعدما شعر الجميع أنّ الوضع في البلد وصل الى حائط مسدود إثر تمترس الأفرقاء خلف مواقفهم، سارع الرئيس الحريري فور عودته إلى بيروت إلى تنشيط خط التدخل السريع مع الرئيس بري، فنشطا سوياً طوال ليل الخميس – الجمعة لتهدئة الموقف مستعينين باللواء عباس ابراهيم، بينما نجح بري بالتواصل مع عون في إعادة تفعيل مبادرته فتمّ الاتفاق على عقد لقاء مصالحة في القصر الجمهوري.
وإذ تقاطعت المعلومات عند الإشارة إلى الدور المحوري الذي لعبه “حزب الله” في الضغط على أرسلان لإتمام المصالحة، أفادت أوساط “كليمنصو” بأنّ جنبلاط سرعان ما تجاوب مع رغبة بري والحريري في الحلحلة درءاً للمخاطر الاقتصادية المحدقة بالبلد والتي تحتاج إلى إعادة تفعيل العمل الحكومي. في حين اكتفت مصادر “حزب الله” بالإعراب عن ترحيب “الحزب” بالنتائج الايجابية لاجتماع بعبدا ولعودة الحكومة إلى الانعقاد، مشددةً على ضرورة اعتماد الحوار في الخلاف السياسي والاستفادة من العِبر مع التأكيد على كون المطلوب الآن المزيد من الالتفات الى القضايا الحياتية للمواطنين.
أما “القوات اللبنانية” فعلقت مصادرها على ما حصل بوصفه يؤكد وجهة نظر “القوات” منذ اللحظة الأولى بوجوب فصل المسار السياسي عن المسار القضائي، مبديةً أسفها لتعطيل البلد كل هذا الوقت فيما كان يُمكن منذ اللحظة الأولى حسم الاتجاه من خلال فصل المسارات وترك التحقيق القضائي يأخذ مداه بعيداً من التدخلات السياسية. وختمت بأنّ المطلوب اليوم وبإلحاح أن تكثف الحكومة اجتماعاتها لتعويض التعطيل المتمادي والذي كلف البلاد الكثير، مع تجديدها موقف “القوات” في الخط السياسي العام بالوقوف إلى جانب حليفيها الاستراتيجيين سعد الحريري ووليد جنبلاط.