الحريري يستغرب مطالبة جعجع بتغيير حكومة “لا يزال فيها”
“مسيّرات” و”صواريخ دقيقة” و”كورنيت” و”خطوط حمر” تتهاوى على ضفاف الـ1701… ماذا بعد؟ خريف ملتهب بعد صيف ساخن؟ فمن الواضح أن الإسرائيليين يحضّرون “إضبارة” استخباراتية ضد “حزب الله” ولبنان وآخرها ما كشفوا النقاب عنه أمس من “إقامة موقع متخصص لإنتاج وتحويل الصواريخ الدقيقة في البقاع قرب بلدة النبي شيت” برعاية إيرانية، في حين يسعى الحزب في المقابل إلى محاولة لجم التصعيد بالتصعيد والرد بالرد مستفيداً من غطاء الدولة اللبنانية ليجنح في صلياته النارية باتجاه تهشيم الـ1701 وتحجيم دور “اليونيفيل” جنوبي الليطاني.
وعلى الرغم من مسارعة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري بالأمس إلى تلقف كرة النار معيداً استنهاض القرار الدولي ومؤكداً أنه لم يسقط، غير أنّ تقارير ديبلوماسية غربية تحدثت خلال الساعات الأخيرة عن “تداعيات خطيرة” لكلام الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عن إسقاط “الخطوط الحمر” على الحدود باعتباره “إسقاطاً للقرار 1701 بحد ذاته والانتقال تالياً بالجبهة الجنوبية للبنان إلى مرحلة جديدة محفوفة بالمخاطر”، حسبما نبهت مصادر ديبلوماسية لـ”نداء الوطن”، موضحةً أنّ ما قاله نصرالله يعني عملياً أنه “لم يعد يعترف بأي موانع لوجود مقاتليه داخل حزام عمل قوات “اليونيفيل” وفق موجبات الـ1701، لا بل هو أرسل بذلك رسائل غير مباشرة إلى رعاة هذه القوات الدولية بأنها أصبحت “لزوم ما لا يلزم” في لبنان، خصوصاً وأنه أعلن الحدود الجنوبية بكاملها جبهة إقليمية مفتوحة على مختلف الأعمال العسكرية بمواجهة إسرائيل بشكل لم يعد يقتصر فقط على قضية مزارع شبعا والمطالبة اللبنانية بتحريرها”.
ومن البلبلة الحدودية، إلى الترنّح الاقتصادي اتجهت الأنظار أمس إلى زيارة المبعوث الفرنسي المكلف متابعة مقررات مؤتمر “سيدر” بيار دوكان والذي نجح في إعادة إحياء الآمال اللبنانية المعقودة على “سيدر” من خلال جرعة تصريحات أكدت أنه لا يزال موضوعاً في العناية الفرنسية الفائقة، ولا يفصل عن تطبيق مشاريعه سوى إقدام اللبنانيين أنفسهم على وقف مسلسل استنزاف الوقت والشروع فوراً بتنفيذ سلة الإصلاحات الهيكلية المطلوبة لإنقاذ وضع البلد الاقتصادي، خصوصاً وأنّ كل المؤشرات والمعطيات باتت تؤكد أن لبنان الرسمي دخل في سباق مع الزمن ولم يعد يملك ترف المماطلة والتعطيل تحت طائل انهيار الهيكل فوق رؤوس الجميع مع فترة سماح دولية أخيرة لا تتجاوز الستة أشهر.
وعلى درب الإصلاح، علمت “نداء الوطن” أنّ وزير المال علي حسن خليل سيعمد خلال اليومين المقبلين إلى تقديم مشروع موازنة 2020 من دون إدخال أي تعديلات عليها، بعدما كان يتريث بانتظار ما إذا كان اجتماع بعبدا الاقتصادي سيخرج بأي مقررات يمكن إضافتها على بنود الموازنة، على أن يبدأ مجلس الوزراء بمناقشة مشروع الموازنة الجديدة خلال أسبوعين لتحال بعدها إلى لجنة المال والموازنة ومنها إلى الهيئة العامة لإقرارها في تشرين الأول المقبل، التزاماً بالدستور وفق ما وعد الجانب اللبناني رعاة “سيدر” ووكالات التصنيف الدولية.
وخلال لقاء دوكان مع وزير المال، علمت “نداء الوطن” أنّ المبعوث الفرنسي حمل معه تشديداً على ضرورة عدم الإبطاء في مراحل تطبيق حزمة الإصلاحات المطلوبة، وهو من هذا المنطلق أبدى “إيجابية في أماكن وحذراً في أماكن أخرى”. فمن جهة رحّب بالحماسة التي يبديها المسؤولون اللبنانيون إزاء عملية الإصلاح لكنه بدا في الوقت عينه حذراً في معرض تساؤله عن “كيفية التطبيق” لأنّ الفرنسيين لا يرون حتى الساعة تقدماً ملموساً في هذا الاتجاه، وقد حرص على الدخول “في تفاصيل ملف الإصلاحات وتوقف فيه بشكل خاص عند التهرب الضريبي وخدمة الدين”.
وفي سياق متقاطع، رجحت مصادر مطلعة لـ”نداء الوطن” إمكان أن يقوم رئيس الحكومة بجولة خارجية لاعادة تحريك عجلة الدعم الاقتصادي للبنان وشرح الموقف اللبناني والجهود المبذولة للإصلاح، على أن يبدأ جولته المرتقبة من باريس حيث قد يعقد اجتماعات مع اللجنة التي تتابع ملف “سيدر”، على أن تليها ربما أكثر من محطة خارجية أخرى للحريري للغاية نفسها. وتحدثت بعض الأوساط في هذا المجال عن وجوب إعادة الحريري تفعيل دوره الاقتصادي المحوري مع عواصم القرار بعدما رُصدت في الآونة الأخيرة محاولات من قصر بعبدا لسحب البساط الاقتصادي من تحت أقدام الحريري وحصره برئيس الجمهورية ميشال عون، الأمر الذي قد يؤدي إلى فرملة الحماسة الدولية تجاه مساعدة لبنان ربطاً بافتقار عون للثقل الذي يمتلكه الحريري في ميزان العلاقات الخارجية.
وإثر لقائه المبعوث الفرنسي، أكد وزير الاقتصاد منصور بطيش لـ”نداء الوطن” أنّ دوكان كان مطمئناً لإمكان إنقاذ لبنان، نافياً أن يكون نقل معه “تحذيرات فرنسية إنما جاء في زيارة استطلاعية وتحدث عن تفاصيل متعلقة بالورقة الاقتصادية”، وأكد وزير الاقتصاد أن دوكان “لمس خلال زيارته جدية لدى المسؤولين اللبنانيين وتحسّسهم بالمسؤولية إزاء وجوب تطبيق الاصلاحات”. ورداً على سؤال، رفض بطيش اعتبار البعض بأن اجتماع بعبدا المالي الاقتصادي كان “فولكلوريا”، بل شدد في المقابل على اعتباره “خطوة مهمة جداً تحصل للمرة الأولى”، مبدياً اعتقاده بإمكان تنفيذ الورقة الإصلاحية المنشودة “في مهلة ستة أشهر”.
على صعيد حكومي منفصل، تفاعل الوسط الرئاسي والسياسي عموماً خلال الساعات الأخيرة مع إعلان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع عبر “نداء الوطن” في عددها الصادر أمس عن مطالبته صراحةً بتشكيل حكومة جديدة من الاختصاصيين والتقنيين لمعالجة الأزمات في البلد، وبرز على صعيد التعليقات المقابلة استغراب رئيس الحكومة المطالبة باستقالتها بينما من يطالب بذلك “لا يزال فيها”.
وعلى الضفة “القواتية”، توضح مصادر مواكبة لخطوة جعجع المفاجئة أمس على طاولة الحوار الاقتصادي في بعبدا بأنها أتت من ضمن “استراتيجية عمل جديدة أقرتها قيادة القوات للمرحلة المقبلة بعدما استغرق البحث فيها وقتاً من الدرس والتمحيص والمناقشات”. وإذ تؤكد المصادر أنّ “القوات لن تخرج من الحكومة بل ستبقى تعارض من داخلها في سبيل بناء الدولة”، شدّدت على بقائها في الحكومة “لا يعني أنها ستقبل بأن تكون شريكاً في ذهنية السلطة القائمة”، محذرةً في المقابل بأنّ “الجو الخارجي ضاغط جداً وسلبي باتجاه لبنان والآتي سيكون أعظم من عقوبات آخذة بالتفاقم ووضع اقتصادي آخذ بالتدهور”.