لبنان بين “حربين”
بعدما بات البلد موضوعاً على المشرحة الدولية لتشخيص وضعه الحرج، وأضحت كل المسكّنات التي درج أهل الحكم على استخدامها منتهية الصلاحية وغير ذات منفعة في تستير العطب البنيوي المستحكم بمفاصل الدولة استراتيجياً واقتصادياً، لم يعد من مناص ولا خلاص أمام اللبنانيين إلا مواجهة مرآة عورات وضعهم المتردي والتصدي لها تحت طائل الانهيار القادم على جناح السرعة، بشهادة التقارير والتصنيفات الاقتصادية والمالية الآخذة بالتوالي إنذاراً وتحذيراً من مغبة الاستمرار في انتهاج سياسة “رأس النعامة”. وما كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري عن كون لبنان أصبح “في عين العاصفة” تحت وطأة “حرب حقيقية تمارس ضده” اقتصادياً، وما حديث رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري صراحةً عن خشيته من “أمر وحيد هو الحرب” معطوفاً على تشديد قائد “اليونيفيل” اللواء ستيفانو ديل كول على كون اشتباك 1 أيلول الصاروخي “كان من الممكن أن يؤدي إلى تصعيد لا يمكن لـ “اليونيفيل” والأطراف السيطرة عليه”، سوى مؤشرات ودلائل قاطعة للشك باليقين بأنّ لبنان أصبح على خط نار مزدوج بين “حربين” مفتوحتين على شتى الاحتمالات والمخاطر الاقتصادية والعسكرية.
فعلى المستوى الاقتصادي، حملت الساعات الأخيرة تأكيداً للخبر الذي تفرّدت بنشره “نداء الوطن” عن زيارة مرتقبة للحريري إلى باريس في 20 أيلول الجاري لعقد سلسلة لقاءات تركز على متابعة مقررات “سيدر”، وذلك على وقع إشارة المبعوث الفرنسي بيار دوكان من السراي الحكومي أمس، إلى ضرورة اتخاذ السلطات اللبنانية “توليفة إجراءات وخطوات يمكنها وحدها أن تعيد إطلاق الاقتصاد اللبناني”. أما على مستوى الهواجس من إعادة تأزيم جبهة لبنان الجنوبية، فلفت الانتباه أمس، تجديد رئيس الحكومة الإضاءة على كون “حزب الله مشكلة إقليمية ليس لبنانية فقط”، رافضاً تحميل لبنان بأسره تبعات ما يقوم به “الحزب” من أعمال عسكرية ليوجه تالياً رسالة واضحة إلى كل من يعنيهم الأمر في الغرب والشرق: “نحن لا نوافق حزب الله على هذه الأعمال وأنا لا أتفق مع حزب الله على هذه الأعمال”، وأَردف: “هم لا يديرون الحكومة ولا البلد لكنهم يستطيعون إشعال حريق أو حرب قد تحصل لأسباب إقليمية لا رأي لنا بها في لبنان، وهذا هو سبب الخلاف الكبير بيننا وبينهم”.
واليوم يعقد مجلس الوزراء جلسة في السراي برئاسة الحريري، وأفادت مصادر مطلعة لـ”نداء الوطن” بوجود إمكانية كبيرة لإقرار سلة التعيينات القضائية خلال الجلسة، مشيرةً إلى اتفاق بدأت معالمه تتكشف أمس حول ملء الشواغر في المراكز الأربعة التالية: مدعي عام التمييز، مدير عام العدلية، رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس مجلس شورى الدولة.
وفي التفاصيل، أنه بعدما تمّ الاتفاق على القاضي غسان عويدات كمدعي عام تمييز (سني) والقاضية رولا جدايل كمديرة عامة لوزارة العدل (سنية)، بقيت التجاذبات والخلافات تدور حول المركزين القضائيين المارونيين بين وزراء العهد ما حال دون إقرار هذه التعيينات حتى الساعة. ففي مجلس الشورى، وبعد التداول بأكثر من اسم (من أبرزهم ريتا كرم ويوسف نصر)، وبعدما كان الوزير جبران باسيل يصرّ على القاضية كرم، التي تبيّن أنها غير حائزة على الدرجات التي تخولها التربع على هذا المنصب، تمّ الاتفاق على إسناد هذا الموقع الى قاضية أخرى هي جمال خوري. أما في مجلس القضاء الأعلى، فتفيد المعلومات بأن القاضي سهيل عبود هو من سيعيّن كرئيس للمجلس بعد مشاورات طاولت أكثر من ٣ أسماء.
وبناءً عليه، إذا مرت التعيينات القضائية اليوم، فتؤكد المصادر أنّ ذلك سيفتح الباب أمام إجراء التشكيلات والمناقلات القضائية، التي تشمل مراكز حسّاسة من أبرزها مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بدلا من القاضي بيتر جرمانوس. وفي هذا الإطار تشير المعلومات المتوافرة إلى أنّ اسمين يتم التداول بهما لهذا المنصب الماروني هما: القاضي كلود غانم والقاضية سمرندا نصار المعروفة بقربها من الوزير باسيل. علماً أنه من بين المناصب الوازنة التي ستشملها التشكيلات القضائية أيضاً: قاضي التحقيق الأول في بيروت خلفاً للقاضي غسان عويدات الذي سيعيّن في موقع مدعي عام تمييز، وقاضي التحقيق الأول في البقاع ورئيس ديوان المحاسبة وغيرهم.
وعلى ضفة العهد، وبينما رشحت معلومات عن حماسة لدى بعض الوزراء المقربين من بعبدا لاستبعاد القاضية غادة عون من منصبها على خلفية دورها المركزي في ملف الفساد القضائي وانسجامها مع تحقيقات شعبة المعلومات، تحدثت مصادر مقربة من “التيار الوطني الحر” لـ”نداء الوطن” عن ارتفاع أسهم بعض الأسماء الجديدة ليلاً ضمن بورصة المرشحين لرئاسة مجلس شورى الدولة، ومن بينها القاضي فادي الياس الذي إذا استقر الاختيار عليه فسيصار إلى نقله من القضاء العدلي إلى القضاء الاداري، أما في ما يخص رئاسة مجلس القضاء الأعلى فأشارت بعض المعلومات إلى ارتفاع في حظوظ القاضي طاني لطوف بدل القاضي سهيل عبود الذي قد تتجه قيادة “الوطني الحر” إلى استبعاده رغم سيرته المهنية اللافتة.