كم يُشبه الأمس اليوم… الأمس في الرياض واليوم في بيروت. هناك مسيّرات إيرانية عرضتها وزارة الدفاع السعودية وهنا مسيّرات إسرائيلية عرضتها وزارة الدفاع اللبنانية. هناك وهنا مؤتمران صحافيان طبق الأصل، الأول يعرض لنتائج التحقيقات حول مسار “المسيّرات الـ 18” الإيرانية ونقطة انطلاقها وقدراتها التخريبية والتكنولوجية، والثاني يستعرض “المسيّرتين” الإسرائيليتين وخط سيرهما وقدراتهما التفجيرية والتكنولوجية… ليتقاطع المؤتمران الصحافيان في محصلة المشهدين عند الإضاءة على خطورة الهجومين، الهجوم الإسرائيلي “المسيّر” على الضاحية الجنوبية باعتباره “أخطر عمل عدائي” منذ حرب تموز 2006، حسبما شدد وزير الدفاع اللبناني الياس بو صعب، والهجوم الإيراني “المسيّر” على منشأتي نفط “أرامكو” بوصفه منعطفاً نفطياً مفصلياً لا يطاول فقط السعودية إنما يستهدف “العالم بأسره” وفق ما أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع السعودية العقيد تركي المالكي.
وإذا كان المشهدان يتطابقان في تسطير دلالات “الجرم المشهود” وتظهير بقايا المسيّرات الإسرائيلية والإيرانية، لكن يبقى ثمة فارق جوهري وحيد بين الهجومين على لبنان وعلى السعودية. إذ ليس بين السعوديين من يخشى جرّ بلاده إلى أتون النار رداً على هجوم الضاحية الجنوبية لبيروت، بينما معظم اللبنانيين ستكون شاخصةً أعينهم اليوم باتجاه ما سيقوله الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله لرصد ما إذا كان سيضع البلد في مهب “رياح أرامكو” الساخنة من منطلق توعّده بالرد من لبنان على أي ردّ محتمل على إيران، سيما وأنّ نصرالله كان قد أكد خلال كلمة له الثلثاء الفائت في مجلس حسيني أنه يعتزم مقاربة تطورات المنطقة غداً قائلاً ما حرفيته: “أحداث مهمة جداً حصلت إقليمياً سواء في موضوع السعودية واليمن وانتخابات الكنيست الإسرائيلي”، ليؤكد في ضوء ذلك عزمه على التطرق إلى مجمل هذه التطورات والمواضيع السياسية المحلية والإقليمية في الكلمة التي سيلقيها اليوم.
ولعل ما عزّز الهواجس اللبنانية من زج لبنان في أتون المعارك الإيرانية هو ما أعلنه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عشية كلمة نصرالله وتصدرّ مقدمة نشرة “المنار” المسائية لناحية تهديده العلني من أنّ “أي حماقة أميركية أو غير أميركية ستجرّ المنطقة إلى حرب شاملة”.
بالانتظار، وفي ظل حال التأهب الخليجي والعربي والدولي والأممي، واستنفار خطوط المشاورات المكوكية بين واشنطن والرياض لتحديد الخطوات الآيلة إلى ردع طهران عن الاستمرار بتهديد خطوط إمدادات النفط العالمية، تتسارع وتيرة الأحداث وترتفع وتيرة التصريحات النارية المتبادلة بين ضفتي المعركة وصولاً إلى وضع الهجوم الإيراني في مصاف “العمل الحربي”، مع ما يختزنه هذا التصنيف من تداعيات دولية قد تترتب عليه، سواء أممياً في ضوء ما سيخلص إليه محققو الأمم المتحدة من نتائج ميدانية عن الهجوم “المسيّر والصاروخي” على منشآت “أرامكو”، أم غربياً وسط ما يشبه الإجماع الأميركي والأوروبي على مسؤولية إيران عن هذا الهجوم إلى درجة أنّ حتى باريس التي تلعب دور الوسيط بين طهران وواشنطن بادرت بالأمس إلى تسخيف الادعاء الإيراني، بوقوف الحوثيين خلف الهجوم باعتباره “ادعاءً يفتقد إلى الصدقية” وفق تعبير وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان.
وعلى شريط الأحداث المرتبطة بمشهد “حرب المسيّرات” الذي يلهب المنطقة، برزت تصريحات أميركية نارية متتالية خلال الساعات الأخيرة تنذر بتطورات دراماتيكية غير مستبعدة تجاه إيران… بدءاً من تأكيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنّ أي ضربة قد تضطر بلاده لتوجيهها إلى طهران ستكون “قوية جداً”، وليس انتهاءً عند إعلان البنتاغون أنه بصدد تقديم “الخيارات المطروحة” لترامب بشأن إيران ليقرر أياً منها سيعتمد، في وقت كان الجيش الأميركي يعلن أنه يتشاور مع المعنيين في القيادة السعودية حول “سبل مواجهة التهديدات القادمة من شمال المملكة”.