الأوراق الإصلاحية تتوالى… وجديدها “ورقة الحريري”
وسط كومة المشاكل الغارق فيها، ما كان ينقص البلد سوى “التطبيع مع الأسد” بوصفه وصفةً أكيدةً لمشروع مشكل جديد بانت طلائعه بالأمس من بين سطور إشارة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى اتجاه لبنان “حكماً” نحو “الاتفاق مع الدولة السورية لحل معضلة النزوح”. بمثابة العود على البدء، جاء جديد عون من على منبر الأمم المتحدة ليدقّ باب العودة اللبنانية إلى مضارب النظام السوري عبر دروب خيم النازحين وتحت عباءة “تشجيع عودتهم”. قضية لا شك محورية وستفرض نفسها بقوة على الساحة الوطنية في القادم من الأيام على صورة اصطفافات سياسية وحكومية متوقعة إذا ما بادر رئيس الجمهورية إلى ترجمة خطاب “العودة” بخطوات عملانية نحو دمشق بعد عودته من نيويورك.
وما عدا ذلك، لم يخرج عون عن السياق والمضمون المتوقعين لكلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس، باستثناء تسجيله لمفهوم “حق الدفاع عن النفس بكل الوسائل المتاحة” في السجل الأممي بما يشمل تأكيداً غير مباشر من رئيس الجمهورية على مسمع قادة دول العالم بمشروعية سلاح “حزب الله” لمهمة الدفاع عن لبنان وعدم حصر هذه المهمة بالدولة ومؤسساتها الرسمية.
في حين كانت رسالة أخرى من عون في الملف الحدودي مع إسرائيل حرص من خلالها على إلغاء مصطلح “ترسيم الحدود البرية والبحرية” الذي يستخدمه الموفدون الأميركيون وتصويب هذا المصطلح باتجاه ضرورة التمييز بين “التثبيت” على البر و”الترسيم” على البحر، فضلاً عن تشريعه باب الوساطة أمام أي دولة تستطيع المساعدة في هذا الملف وعدم حصره بالوسيط الأميركي، وهو ما رأى فيه متابعون رداً من رئيس الجمهورية على فحوى الرسائل التي نقلها الموفد ديفيد شينكر خلال زيارته الأولى لبيروت.
هذا في المضمون، أما في الشكل فلفتت الانتباه الحماسة الاستثنائية لدى الوفد السوري في مواكبة كلمة عون، بحيث حرص أعضاء الوفد بدايةً على ملء مقاعدهم عند بدء الرئيس اللبناني خطابه ليقابلوه بتصفيق حار عند انتهاء الخطاب، وصولاً إلى تتويج هذا المشهد “الممانع” المرحّب بعون بلقاء مجاملة “على الواقف” بينه وبين الرئيس الإيراني حسن روحاني بمشاركة وزيري خارجيتي البلدين جبران باسيل ومحمد جواد ظريف.
أما على مستوى اللقاءات الوازنة التي عقدها على هامش انعقاد الجمعية العامة، فقد نقلت مصادر ديبلوماسية في نيويورك لـ”نداء الوطن” أنّ عون تلقى “نصيحة أممية” من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بوجوب “تمسك لبنان بالقرار 1701 وتجنّب خرقه”، في وقت عبّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للرئيس اللبناني عن “رسالة عربية تؤكد ضرورة أن يعمد لبنان إلى تصفير الذرائع التي من الممكن أن تتسلل منها إسرائيل للاعتداء عليه”. تماماً كما كان قد شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي بحسب المصادر “بدا صريحاً جداً في كلامه مع عون في الشقين الأمني والاقتصادي، سواءً لناحية ضرورة احترام لبنان القرارات الدولية وتنفيذ سياسة النأي بالنفس بنحو أفضل واتخاذ أقصى درجات الحذر في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها المنطقة انطلاقاً من إيلاء الأولوية لمصلحة الدولة اللبنانية على أي مصلحة أخرى، أو لجهة إشارة الرئيس الفرنسي إلى عدم الاقتناع كلياً بالتبريرات التي قدمها الوفد اللبناني حول مسببات البطء في تنفيذ الإصلاحات ومكافحة الفساد.
وفي بيروت، واصل مجلس الوزراء جلساته الماراتونية لدراسة موازنة 2020 فعقد جلسته الثالثة بالأمس في السراي الكبير برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري، في وقت عوّلت مصادر وزارية لـ”نداء الوطن” على أهمية اجتماعات اللجنة الوزارية المكلفة دراسة الأوراق الاقتصادية باعتبارها “تشكل نقلة عملية نوعية تسرّع عملية الإصلاح”.
وبعد ورقتي “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، كان جديد هذا الملف تقديم الرئيس الحريري ورقة “تيار المستقبل” الإصلاحية وهي وفق ما أكد وزير العمل كميل أبو سليمان تتضمن تقاطعات كثيرة في بنودها مع ورقة “القوات” على أن تتم مناقشتها اليوم خلال انعقاد اللجنة.
وعلى طاولة الحكومة، مرت جلسة الأمس بسلاسة في مجمل مجرياتها باستثناء تشنج وحيد ساد أجواءها على خلفية موضوع موازنات وزارات الدولة، بحيث كشفت مصادر وزارية لـ”نداء الوطن” أنه ولدى مطالبة نائب رئيس مجلس الوزراء غسان حاصباني ومعه وزراء الدولة بزيادة موازنات وزاراتهم، قوبل الموضوع باعتراض بعض الوزراء ومن بينهم الوزير محمد فنيش الذي طالب بتحديد مهام وزارات الدولة، ووزير المال علي حسن خليل الذي أكد أنّ الأوضاع المالية لا تسمح بأي زيادة، والوزير وائل أبو فاعور الذي رأى بعض التضارب في المصالح بين وزارات الدولة ووزارات أخرى، بينما بدا لافتاً في المقابل تأييد وزير الدفاع الياس بوصعب لمطلب حاصباني وإن كان من زاوية المطالبة بزيادة موازنة موقع نيابة رئاسة مجلس الوزراء. وفي خلاصة النقاش حسم رئيس الحكومة توجهه بتأييد طرح حاصباني باعتبار أنّ وزراء الدولة كانت لهم مهام سياسية في السابق أما اليوم فباتت لهم مهام إضافية وفعالة.