Site icon IMLebanon

نداء الوطن: “الدولار” كرة نار والاقتصاد ينتظر صاحب قرار

عون يطلب سؤال حاكم “المركزي” ووزير المال… وباسيل يتّهم شركاءه بالتآمر والفتنة

 

لم تكن طمأنة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون العائد من نيويورك اللبنانيين الى ان “لا خطر على لبنان” ورده على محاوريه: اسألوا رياض سلامة وعلي حسن خليل، الا رجع صدى للأزمة الاقتصادية الخانقة الماثلة في قطاعات عدة من الانتاج والمترجمة بـ”ميني انتفاضات” في طرقات باتت نهباً لتظاهرات طيارة متدحرجة وإحراق اطارات خصوصاً في البقاع. واذا كانت اشارة عون الى حاكم مصرف لبنان ووزير المال لا تحمّلهما بالضرورة المسؤولية عن الوضع المنذر بالانهيار، فإن سؤال وزير الخارجية جبران باسيل الجائل في كندا عن “المتآمرين من داخل الحكومة” ومثيري “الفتنة الاقتصادية” يوحي بإلقاء التبعة التي يتحملها الحكم مجتمعاً على آخرين بقصد تبرئة الذات والقفز من مركب الاقتصاد المثقوب.

 

غير ان “أزمة الدولار” التي انفجرت امس لم تكن وليدة البارحة بل هي نتاج تراكمات سياسات خاطئة، طالت المواطن في قوته وعمله وأغرقته في حالة قلق على تراجع قدرته الشرائية وعدم توفر السلع الاساسية واحتمال ارتفاع الاسعار مستقبلاً. اما التطمينات المتتالية بشأن سلامة الوضعين المالي والنقدي فلم تعد تجد آذاناً صاغية عند المواطنين الذين يراقبون باستياء وذهول انعدام الحلول والسياسات الناجعة للخروج من الأزمة وغياب قرار وخطة طوارئ يطفئان النار المندلعة في جيب كل مواطن.

 

لذا باتت جملة اسئلة تطرح نفسها بإلحاح: بيد مَن زمام الامور اليوم؟ أين الحكومة؟ وأين إجتماعات بعبدا وخططها لمعالجة الازمة؟ لأن خطورة ما وصلنا اليه تتطلب اجتماعات مفتوحة، وليس تقاذفاً للتهم ومحاولة تحميل المسؤولية، ربما على خلفية معركة رئاسية تحتاج كبش محرقة.

 

قد يتحمل المصرف المركزي جزءاً من المسؤولية بمجاراته لعبة الحكم وعدم رفع الصوت بما فيه الكفاية أقله لفضح التأخير في انجاز الاصلاحات والمضي بسياسات تعتمد على اسعار فائدة مرتفعة لاستقطاب الودائع على حساب القطاع الانتاجي وقدرة تمويله، إنما كامل المسؤولية تلقى على عاتق السلطة السياسية التي أمعنت في هدر الموارد وتمادت في الانفاق وسببت العجوزات الكارثية في الخزينة وميزان المدفوعات وأهدرت كل فرص الاصلاحات. سياسات عجزت حتى اليوم عن ضبط الهدر والفساد، بعدما تخطت كل اجهزة الرقابة وحوّلت القضاء الى محميات خاصة.

 

نعم، هذا ما أدى الى نزف الاقتصاد اللبناني الذي يتجلى بعجز ميزان المدفوعات، وخروج مليار دولار شهرياً من أمام أعين الحكام الساهرة على المحاصصة وتقاسم الصفقات.

 

فسعر الدولار أو أي سلعة أخرى لا يحدَّد بفرمان، إنما تحدده الاسواق وعملية العرض والطلب على ارض الواقع. بمعنى آخر سعر صرف الدولار الحقيقي هو ما يتم تداوله في السوق عند الصيارفة والتجار. فأين يصرف الدولار الثابت على 1510 بعدما أصبحت عمليات شرائه من المصارف مقيدة حتى لا نقول مستحيلة، وبعدما تم تداوله بأكثر من 1600 ليرة امس؟

 

أما القول إن المصرف المركزي غير معني بما يحصل في الاسواق وعند الصيرفة، فهذا يناقض أبسط القواعد الإقتصادية السائدة في الدول المتقدمة. أوليست مهمة المصرف المركزي حماية القدرة الشرائية للمواطن عبر حماية النقد الوطني كما يتم تداوله في الاسواق، وليس كما يحدد في التعاميم؟

 

بعيداً من المزايدات الشعبوية ودفن الرؤوس في الرمال، دقت اليوم ساعة الحقيقة وللمواطن حق في معرفتها. فحينما تبلغ الامور هذا الحد من الخطر تصبح التطمينات لا تشفي إنما تفاقم المشكلة لأنها تخفيها.

 

السلطة بأشكالها السياسية والنقدية والمالية مطالبة اليوم، أمام المواطنين التائهين الذين يسترجعون لحظات الحرب الاهلية، ومشهد اليومين الماضيين ووقوفهم في طوابير على محطات المحروقات بقول الامور كما هي، والإقلاع عن التطمينات المضللة، ومطالبة أيضاً بالعمل على الاصلاحات التي طال انتظارها الى درجة اليأس، وليس بتحميل حاكم المركزي المسؤولية وحيداً بلعبة تصفية حسابات سياسية.

 

فهذا وقت الاجتماعات الطارئة والبحث في لملمة الوضع بأقل خسائر ممكنة، وإن كان من حاجة لإجتماعات طارئة فهي البارحة قبل اليوم وما استمرار تقاذف المسؤوليات الا واحد من عوارض الافلاس.