“الحاكم والقائد” برعاية الراعي
نهاية أسبوع حامية أم بداية مرحلة ملتهبة؟ هذا هو السؤال الذي طرحته مشهدية “الكرّ والفرّ والهرج والمرج” بالأمس… فتدحرج كرة الأحداث اقتصادياً ومالياً واجتماعياً إلى ملعب الشارع لا يؤشر سوى إلى “بروفا” في المنزلقات والمتاهات التي قد تسلكها في أي لحظة العربة اللبنانية بينما يتلهى القيّمون على دفة القيادة عن مهمة ضبط الاعوجاج في عجلاتها بتنازع المسؤوليات وتقاذفها والتنصل منها على قاعدة “القلة تولّد النقار”، ليأتي خروج الناس إلى الشارع على قلّة أعدادهم أمس بمثابة “جرس إنذار” تعبيراً عما آلت إليه أحوال كل المواطنين المعتصمين في منازلهم بحبل الأزمات الخانقة معيشياً وصحياً وتعليمياً وبيئياً وإسكانياً وخدماتياً واقتصادياً واجتماعياً، وصرختهم واحدة وإن لم تدس أقدامهم الأرض: أصبحنا “على الأرض” يا أهل الحُكم؟
وعلى ضفة السلطة، تبدو سياسة “التطنيش” والضرب على وتر “تفهّم وجع الناس” مستمرة وبنجاح كبير في تخدير هذا الوجع بمسكنات المعالجات المأمولة للوضع الاقتصادي والمالي المتدهور في البلاد، في حين من المرتقب أن يستنفر رئيس الجمهورية ميشال عون قصر بعبدا لعقد سلسلة من الاجتماعات والمشاورات خلال الساعات المقبلة بعدما استشعر استهدافاً مباشراً لعهده يلوح في أفق اشتداد الأزمة واتساع رقعة تشعباتها. وباكورة الاجتماعات الرئاسية ستكون اليوم مع حاكم المصرف المركزي رياض سلامة ليطلع منه على أسباب تفلت سعر الصرف الذي حصل في سوق الدولار والسبل الآيلة إلى منع انفلات الأمور النقدية في البلاد، سيما وأنّ الحاكم بصدد إصدار تعميم غداً يُعنى بحماية مستوردي السلع الحياتية الحيوية وقطع الطريق على التلاعب بأسعارها من محروقات وقمح وأدوية. على أنه كان لافتاً للانتباه عشية لقاء عون بسلامة، الرعاية الكنسية التي منحها البطريرك الماروني بشاره بطرس الراعي لحاكم المركزي رافضاً تحويله إلى “كبش محرقة” في خضم محاولات “السلطة الهروب من المسؤولية” إزاء الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية الراهنة، كما كان لقائد الجيش العماد جوزيف عون نصيب من رعاية الراعي في عظته أمس معرباً عن أسفه لما تشهده الساحة الداخلية من “حملة مريبة تطاول الجيش الوطني وتحاول عبثاً النيل من مناقبيته وقيمه، قيادةً وضباطاً وأفراداً”.
حكومياً، وإذ فرض سفر رئيس الحكومة سعد الحريري إلى باريس لتمثيل لبنان في مراسم تشييع الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك، إرجاء جلسة مجلس الوزراء التي كان مقرراً عقدها اليوم إلى حين عودته، أكدت مصادر كتلته النيابية أنه مصمم على تنفيذ برنامج حكومته الإصلاحي توصلاً إلى جلب استثمارات “سيدر” بالتوازي مع تحسين علاقات لبنان العربية لاستقطاب المستثمرين والودائع العربية ورفع النمو الاقتصادي والسياحي في البلد، واكتفت مصادر “المستقبل” في معرض تعليقها على مشهد التحركات على الأرض بالقول لـ”نداء الوطن”: “كل القوى السياسية في لبنان مقتنعة بضرورة اتخاذ إجراءات إصلاحية ضرورية”.
على المقلب الآخر من الحُكم، وبانتظار عودة رئيس تكتل “لبنان القوي” الوزير جبران باسيل إلى بيروت غداً، قالت مصادر رفيعة في تكتل “لبنان القوي” في تعليقها لـ”نداء الوطن” على مستجدات الأحداث: “نحن لسنا فقط نتفهّم مطالب الناس بل نذهب أبعد بالإصرار على تنفيذ كل السلة الإصلاحية التي تم التوافق عليها في اجتماع قصر بعبدا بحضور الجميع وخرجت منها ورقة مشتركة ندعو إلى ترجمتها في موازنة 2020″، وأضافت رداً على سؤال: “مطالب الناس محقة والإصلاحات ضرورية وكل ما عدا ذلك من أزمات قد يكون هناك جزء منها مفتعلاً ويمكن استغلاله، فالوضع المالي بالتأكيد صعب لكن البلد ليس مفلساً، والشحّ في الدولار في السوق اللبنانية لا يعني فقدان قيمة العملة في لبنان”، لتختم المصادر بشيء من توعد المماطلين بالمعالجات قائلةً: “المسألة ترتبط بالسياسة النقدية ولننتظر ابتداءً من الغد (اليوم) خطوات فخامة الرئيس، ومع مطلع تشرين الأول وما يلي لن يعود مسموحاً أن يمرّ التأخير أو المماطلة مرور الكرام”.