IMLebanon

نداء الوطن: السلطة غارقة في “جنس الإصلاحات”

“غرفة عمليّات” لتعليب تهمة “المؤامرة” ضد المعارضين

 

قطاعات تترنح وأخرى تتهاوى وحبل الإضرابات على الجرار… أخطبوط الضياع وانعدام الثقة يلتف حول مفاصل البلد ولا مسارعة إلى تدارك الآتي الأعظم، بينما “سوق عكاظ” التنظير في سُبُل الإصلاح والتغيير تكاد لا تنفد قوافيه من تبادل للاتهامات وتقاذف للمسؤوليات، وسط وصلات اعتراضية من الشتائم والقدح والذم خارجة عن نطاق المساءلة القانونية طالما أنها صادرة عن مسؤولين محظيين بغطاء السلطة. وفي محصلة شريط الأحداث، لا يبدو للمتابع سوى قاسم مشترك لتوصيف المشهد تتقاطع عنده مختلف الانطباعات: تخبّط ودوران في حلقة مفرغة من النقاش في “جنس الإصلاحات” وأولوياتها، من دون أي خطوة ملموسة في هذا الاتجاه أو ذاك تحت وطأة التجاذب المستحكم على حلبة الموازنة وإصلاحاتها.

 

وبعدما خفَت هدير محركات الإصلاح المنشود في قطاع الكهرباء على وقع احتدام الانقسام بين مؤيد ومعارض لاستقدام البواخر، لمع بالأمس نجم قطاع الاتصالات على طاولة اللجنة الوزارية المكلفة دراسة الإصلاحات، لكنها لم تخرج بأي توجهات عملية بعد لا حيال الاتصالات ولا إزاء المناقصات، وفق مصادر وزارية رأت في ما يحصل أنه لا يعدو كونه “استعراضاً للقوى”، موضحةً لـ”نداء الوطن” أنّ “النقاشات بحد ذاتها جيدة وطرح الدراسات كذلك جيد لكن لا قرارات اتخذت حتى الساعة”، وأضافت: “هذا أمر مقلق إذ يجب البدء فوراً باتخاذ قرارات لأنّ المجتمع الدولي يقول صراحة إنّ إقرار الموازنة في موعدها مهم ولكنّ الأهم الإجراءات الواجب اتخاذها بالتوازي معها”، واتهمت المصادر أمام التباطؤ الحاصل “أفرقاء معينين بأنهم يتعمدون التمهّل وتمرير الوقت كي تحال موازنة 2020 إلى مجلس النواب خالية من الإصلاحات”.

 

وعليه، طفا على سطح المراوحة الحالية عنوان قديم جديد: “موازنة مع إصلاحات أو من دونها؟ هل تدخل البنود الإصلاحية في متن مشروع الموازنة أم لا؟ ففي وقت يعتبر وزير المال علي حسن خليل أنه أنجز “موازنة جاهزة” للإرسال الى المجلس النيابي ضمن موعدها الدستوري، ترى أطراف أخرى وجوب إقرار الإصلاحات أولاً وإلا فإنها ستعارض إقرار الموازنة كـ”القوات اللبنانية”، وكذلك “التيار الوطني الحر” الذي بات يصرّ على عدم إحالة الموازنة من دون إصلاحات جذرية.

 

وبانتظار ما ستؤول إليه لعبة شدّ الحبال الإصلاحية، من المرتقب أن يشكل الأسبوع المقبل محطة مفصلية تغلّب توجهاً على آخر في ظل جلسات مكثفة متوقعة في السراي الحكومي، واجتماعات محورية سواء بالنسبة لدرس الموازنة في مجلس الوزراء أو لاستكمال النقاش في لجنة الإصلاحات. علماً أن خروج لقاء رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس تكتل “لبنان القوي” جبران باسيل إلى العلن أمس بعدما كان “بعيداً من الإعلام”، استقطب الأنظار على إيقاع إشاعة أجواء “جيدة جداً وإيجابية” بين الجانبين. وأوضحت مصادر التكتل لـ”نداء الوطن” أنّ الحريري وباسيل اتفقا على “خريطة طريق متكاملة كي تستطيع الحكومة أن تحقق خطوات عملية على قاعدة: ما المطلوب إنجازه من اليوم وحتى شهر كانون الاول المقبل، تاريخ وصول الموازنة إلى مجلس النواب وإقرارها، وما الذي يجب فعله في كل القطاعات من كهرباء وجباية وضبط الحدود والتهريب فضلاً عن مسألة الضرائب في ظل الحديث عن زيادة يمكن أن تشهدها”. وعلمت “نداء الوطن” في هذا الإطار أن باسيل سيتابع لقاءاته واجتماعاته مع مختلف الأفرقاء للغاية عينها انطلاقاً من لقائه وزير المال بعد الحريري، وذلك بالتوازي مع رفع وتيرة الاجتماعات المتعلقة بتطبيق الورقة الاقتصادية التي أقرت في اجتماع قصر بعبدا.

 

في الغضون، وفي سياق يتكامل مع نهج محاولات تدجين الإعلام وقمع الحريات في البلد، رشحت معلومات مدعّمة بأداء بعض أركان السلطة عن تشكيل “غرفة عمليات” لتعليب تهمة “المؤامرة” وتوجيهها ضد المعارضين في مشهدية تستعيد زمن الوصاية الغابرة، وقد بدأت هذه الغرفة عملياً “تزييت ماكينتها” عبر مقابلات تلفزيونية وسلسلة الادعاءات والاستدعاءات والإخبارات والملاحقات التي طاولت جملة من الناشطين وصولاً للسعي الى إسكات الأصوات الإعلامية المعارضة لسياسات الدولة الراهنة.

 

وإذ باتت قضية “نداء الوطن” ومحاكمتها المرتقبة في 10 الجاري رمزاً استُهلّت به حملة قمع الحريات، لوحظ خلال الساعات الأخيرة اتساع رقعة استشعار الخطر المحدق بالمؤسسات الإعلامية المرئية والمكتوبة والمسموعة جراء هذه الحملة، وسط مؤشرات ومعطيات تدلّ على أنّ المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من الترجمات العملانية لغرفة العمليات تلك، من شأنها أن تزيد وقائع “الكر والفر” في إطار من الملاحقات يجري تحضيرها لتضع المعارضين للسلطة في خانة “المتآمرين” على مصلحة الدولة العليا.