الحريري ينأى بحكومته عن “حزب الله الإقليمي”
بشيم الأشقاء الكبار الذين يترفعون عن الصغائر والكبائر وقت اشتداد الأزمات ولا تثنيهم أصابع مرفوعة تتخذ من لبنان منصة انطلاق للتلويح بتهديد شقيق وصديق لحسابات بات يتيقّن القاصي والداني من أنّ عموم اللبنانيين لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بادرت الإمارات العربية المتحدة إلى الأخذ بيد لبنان لانتشاله من مستنقع المجهول، فنقلته من ضفة “حبس الأنفاس” إلى ضفة “تنفّس الصعداء” عبر جرعة “أوكسيجين” ضختها في عروق البلد بعدما باتت شرايينه الاقتصادية على شفير التصلّب الآيل إلى تعطّل وظائفه الحيوية.
وأول الغيث جاء على شكل قرار رفع الحظر عن مجيء الإماراتيين إلى لبنان اعتباراً من اليوم بما يشكل فاتحة مرحلة واعدة من القرارات والخطوات الهادفة إلى استنهاض الوضع اللبناني، اقتصادياً ومالياً واستثمارياً، وسط إشارة أوساط معنية لـ”نداء الوطن” إلى تدرّج في الدعم الإماراتي المنشود بين “المدى الطويل” الذي يحتاج إلى درس وتباحث وتوقيع اتفاقيات عبر اللجنة العليا المشتركة المرتقب انعقادها في بيروت لتزخيم العجلة الاستثمارية والاقتصادية والتجارية بين البلدين، وبين “المدى المنظور” لا سيما على المستوى المالي، على وقع ترجيحات تتحدث عن احتمال إيداع الدولة الإماراتية وديعة مالية وازنة في مصرف لبنان تدعّم ملاءته النقدية، سيما في ظل الثقة التي يتمتع بها المصرف المركزي بشخص حاكمه رياض سلامة لدى المجتمعين العربي والغربي.
فبعدما لم تعد الأزمة التي تعصف بلبنان تتيح له ترف استنزاف الوقت بانتظار خيرات “سيدر”، وبات السؤال المحوري: من الآن وحتى ترجمات “سيدر” كيف السبيل إلى صمود الاقتصاد اللبناني؟ أتت فسحة الأمل الإماراتية لتؤمن جسر عبور آمن للبنانيين في هذه المرحلة الحساسة من واقعهم الاقتصادي المتدهور، وبهذا المعنى حرص الإماراتيون من خلال استضافة المؤتمر الاستثماري اللبناني – الإماراتي على إرسال رسالة واضحة تؤكد أنّ لبنان ليس متروكاً لقدره، سواءً في الشكل من خلال الحفاوة التي قوبل بها الوفد اللبناني الرسمي برئاسة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، أو في المضمون عبر جملة مواقف ومعطيات ومعلومات واردة من أبو ظبي تؤكد “النية والجدية” في اتجاه السلطات الإماراتية نحو تدعيم أواصر التعاون الاستثماري مع لبنان في مختلف المجالات الحيوية من نفط وغاز وطاقة متجددة وأمن غذائي بالتوازي مع تطوير العلاقات المالية والمصرفية المشتركة بين البلدين.
وإذا كان الدعم الإماراتي للبنان، كما كل دعم عربي وغربي للبنان، يبقى محكوماً بخطين أحمرين عريضين، الأول أن لا يصبّ في أي من مزاريب الهدر والفساد والمحسوبيات والسمسرات التي أثقلت كاهل الخزينة اللبنانية على مرّ المراحل الماضية، والثاني أن لا ينزلق هذا الدعم في أي من مندرجاته وتطبيقاته نحو أي من القنوات المالية والاستثمارية التي قد يستفيد منها “حزب الله”، فإن الحريري بدا من هذا المنطلق منسجماً مع هذا الواقع على طول الطريق الدولي – العربي الواعد في دعم الاقتصاد والنمو اللبنانيين، بدءاً من مؤتمر “سيدر” وصولاً إلى مؤتمر أبو ظبي حيث حرص بالأمس على تجديد النأي بحكومته وبالدولة اللبنانية عامةً عن أنشطة “حزب الله” في المنطقة، وهو ما جسده بكلام واضح وصريح لوكالة أنباء الإمارات الرسمية “وام” قائلاً ما مفاده “لا تحاسبونا على ارتكابات “حزب الله” الإقليمي” باعتبار أي اتهامات “للحزب” ينبغي أن توجه له بوصفه “جزءاً من النظام الإقليمي”، بينما موقف لبنان الرسمي تعبّر عنه حكومته التي كانت ولا تزال “ترفض التدخل أو المشاركة في أي أنشطة عدائية لأي منظمة تستهدف دول الخليج العربي”.