لم يتخيّل اللبنانيون أن يعود بهم الزمن إلى المقطع الشهير من أغنية زياد الرحباني التي كانت رائجة في عزّ الحرب الأهلية “بدو ينقطع البنزين بهل يومين (…) وبدو ينقطع الخبز بهل يومين”. غير أنّ المتمعّن في الوضع الاقتصادي يرى من البديهي أن تعيد الأسطوانة إنتاج نفسها على إيقاع معزوفة الهدر والفساد والتضخم غير المنتج في القطاع العام، ما حتّم استحكام طبول الأزمة الاقتصادية خلال الأيام والساعات الأخيرة ليصبح السؤال إلى أي مدى يمكن أن تبلغ هذه الأزمة بعدما امتدت إلى الاقتصاد الخاص والأسري، تاركةً صوراً سوداوية مأسوية عند محطات البنزين، وأمام الافران، وفي الصيدليات والمحال التجارية… في مشهدية مستعادة لـ”سياسة التقنين” التي لها ما لها لدى جيل الحرب من ومضات اشمئزاز وذلّ في الأذهان والنفوس.
فطوابير السيارات والناس التي اصطفت خلال الساعات الأخيرة أمام محطات الوقود وعند الأفران، فضحت الواقع الهش المأزوم وسط استمرار دوران السلطة والمواطنين في فلك الأزمات المتناسلة، وبينما لم يتضح بعد ما سيؤول إليه الإضراب الموعود من قبل أصحاب المخابز والمطاحن مطلع الأسبوع، تدارك رئيس الحكومة سعد الحريري غليان قطاع المشتقات النفطية ليحول دون اشتعاله نهاية الأسبوع، فسارع إلى عقد لقاء في السراي الحكومي مع وفد أصحاب الشركات المستوردة للنفط برئاسة النقيب جورج فياض، خلص في إثره فياض إلى تأكيد عودة الشركات إلى تسليم المحروقات ابتداءً من صباح اليوم بالليرة اللبنانية.
لكن وفق العارفين، فإنّ اقتصاد التقنين والشح الذي أطل برأسه من نافذة الدولار والبنزين والقمح والدواء، لن يتأخر في الظهور من جديد عبر باب كل القطاعات الانتاجية والخدماتية، خصوصاً وأنّ ما يعانيه اللبنانيون اليوم على أرض الواقع هو نتاج “الابن الشرعي” لنظام المحاصصة، الذي لم يستطع طيلة سنوات وسنوات صناعة الحلول ووضع الاقتصاد على طريق الإنتاج. هذا الابن الذي بدأ يفتك بالوطن الأم لم يعد من الممكن ترويضه بسياسات التخدير، إنما بات يتطلب العودة إلى جادة الاقتصاد الحقيقي القائم على منطق الإنتاج… بعيداً من كل نظريات المؤامرة وخيوط التآمر على العهد التي يحيكها البعض ويزرعها في عقول الناس، للتعمية على الواقع الأليم الذي يعيشونه وللتغطية على الفشل الذريع في معالجة أزماتهم.
وعشية كلمة رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل غداً في ذكرى 13 تشرين التي، وفق معلومات موثوقة لـ”نداء الوطن”، ستتضمن مواقف عالية السقف لجهة تأكيد التصدي لكل “محاولات التخريب” على عهد الرئيس ميشال عون، من خلال الضرب الممنهج على وتر الاستقرار الاقتصادي والنقدي في البلد، استرعى الانتباه الإعلان عن لقاء عقده الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله مع باسيل على مدى 7 ساعات، بحضور مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في “الحزب” وفيق صفا للتباحث في التطورات الاقليمية والمحلية.
لقاء نصرالله وباسيل، خرج وفق بيان صادر عن “حزب الله” بما يشبه “الوصايا العشر” التي شملت: 1- ضرورة تأمين الاستقرار الاقتصادي، 2- ضرورة زيادة موارد الدولة، 3- إصدار موازنة 2020 بإصلاحات جذرية، 4- وجوب الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى المنتج، 5- وجوب تخفيض عجز ميزان المدفوعات، 6- حل مشكلة النازحين، 7- الحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني، 8- تفعيل العمل النيابي والحكومي، 8- تفعيل عمل مؤسسات الرقابة، 10- مقاومة الفساد.
وإذ آثر “حزب الله” عدم إضافة أي معلومة خارج نطاق البيان عن اللقاء، إكتفت مصادر “التيار الوطني الحر” بوصفه بـ”المهم والشامل”، موضحةً لـ”نداء الوطن” أنه تناول كل المسائل المتصلة “بتأمين الاستقرار الاقتصادي والمالي”، وتحدثت في المجال الإصلاحي عن “توافق تام على دعم خطة الكهرباء التي وضعتها وزارة الطاقة، وعلى رفض فرض ضرائب على الطبقات الشعبية”.
في وقت، أكدت مصادر سياسية مواكبة لنتائج لقاء نصرالله – باسيل أنّ “لقاءً من هذا النوع ينعقد في ظروف غير عادية في لبنان والمحيط لم يكن ليطرح قضايا عادية، بل أتى للتداول في قضايا مفصلية على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية”، كاشفةً لـ”نداء الوطن” أنه وإلى جانب التباحث في المسار الإصلاحي ومشهدية الاعتصامات والإضرابات التي تتهدد الأمن الاقتصادي والاجتماعي والنقدي، تم خلاله “التوافق على إيجاد تسوية مشرّفة لرسالة رئيس الجمهورية إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، لتفسير المادة 95 من الدستور بشكل لا يتجاهل طلب الرئيس ولا يصل إلى حد تعديل الدستور”، لافتةً الانتباه في هذا المجال إلى أنّ “باكورة مؤشرات هذا التوافق تجلّت أمس عبر قرار إرجاء موعد جلسة تفسير المادة 95 من 17 تشرين الأول إلى 27 من تشرين الثاني، ريثما يتم تظهير المعالم النهائية لهذه التسوية”.
كذلك، أفادت المصادر أنّ لقاء “الساعات السبع”، بحث بالعمق التحضير اللبناني للمفاوضات الحدودية مع إسرائيل برعاية أميركية وأممية عشية عودة مبعوث واشنطن دايفيد شينكر إلى بيروت، كما تطرق إلى ملف العقوبات الأميركية وسط معلومات عن توضيحات قدمها باسيل لنصرالله حول استحالة إقدام لبنان سواء عبر الدولة أو عبر حاكمية المصرف المركزي، على عدم التجاوب مع الطروحات الأميركية خشية المخاطرة بأن تشهد المرحلة المقبلة عقوبات أقسى على البلد، وهو ما ينسحب أيضاً على ضرورة إبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع الأميركيين وعدم إقفال الباب أمام التفاوض مع الوسيط الأميركي حيال الملف الحدودي.