الثورة توحّد لبنان من الشمال إلى الجنوب والسلطة تراهن على القوة مجدّداً
بات القول المأثور “هو في الحفرة ويتابع الحفر” ينطبق على السلطة الواقعة بين مكابرة تعمّق المأزق السياسي وتجنح الى خيار العنف، وبين رغبة خجولة في الحل لم تتبلور بفعل تعارض نزعات أركانها وتوجهاتهم. وفي المقابل بدت الثورة الشعبية، التي ربطت سلسلتها البشرية من الشمال والجنوب أوصال وطن قطعته ذهنية الحرب الأهلية والطائفية والمذهبية ومصالح الطبقة السياسية، مصممة أكثر من اي وقت مضى على الصمود في ظل احتضان وطني كبير لم يقسم لبنان قسمين بل بين سلطة مدعومة بـ”حزب الله” وبقايا “التيار العوني” وبين سائر اطياف الشعب اللبناني.
وفيما افيد بأن المعنيين تلقوا تحذيرات غربية بعدم استعمال القوة ضد المتظاهرين وضرورة تأمين انتقال سلس للسلطة، فشلت فكرة عقد اجتماع لـ”مجلس الدفاع الأعلى” بفعل رفض الرئيس سعد الحريري تشريع استخدام العنف لفتح الطرقات وتأكد بعبدا من ان قائد الجيش العماد جوزف عون يرى ان الحل سياسي وان الجيش لن يقمع شعبه، فاستعيض عن ذلك باجتماع للاجهزة الأمنية ذكرت المعلومات انه توزع مهام جولة جديدة من فتح الطرقات ابتداء من صباح اليوم وربما بالقوة.
وفي هذا السياق قالت مصادر رفيعة انه من “المعيب ان ترمي السلطة السياسية فشلها على الجيش والقوى الامنية، لان المؤسسة العسكرية كما قوى الامن الداخلي والامن العام وامن الدولة تقوم بواجبها العملاني البحت وليس لها دور سياسي، ولن يكون لها دور ضد ابناء الوطن العزّل، بينما هذه الاجهزة لم ولن تتأخر في استخدام كل الوسائل المتاحة في مواجهة اي خطر معادٍ”.
ورأت “ان على رئيس الحكومة سعد الحريري ان يتحمل مسؤولياته كرئيس للسلطة التنفيذية في ما يحصل على الارض من حراك شعبي غير مسبوق، وهناك اسئلة تطرح عن الاجتماعات التي يعقدها لمعالجة الامر، واين خلية الازمة التي يفترض ان تتشكل منذ اليوم الاول للحراك حتى تتابع ما يجري في الشارع؟ فلا يكفي ان يقصر تحركه على اتصالات هاتفية برئيس هذه المؤسسة وبذاك المدير للجهاز الامني، ولماذا لم يدع رئيس الجمهورية المجلس الاعلى للدفاع للانعقاد، واذا كان الامر متعذراً لماذا لا يصارح الشعب اللبناني بانقسام السلطة السياسية حول عدم امكانية عقد اجتماع لأي من المؤسسات الدستورية؟”.
وسألت: “لماذا الحمل فقط على الجيش والاجهزة الامنية؟ الحل قبل كل شيء سياسي، ولاحقاً تأتي الترجمة الميدانية، اما ان تتلطى السلطة السياسية خلف المستوى العسكري والامني فان لذلك مخاطر كبيرة جداً لا يمكن المغامرة فيها”.
وهكذا يبدأ اليوم الثاني عشر للثورة على مشهد الاستمرار في الاضراب وقطع الطرقات واقفال المصارف وانقسام في السلطة السياسية التي تجاذبها امس اصرار الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل و”حزب الله” على عدم تقديم اي تنازل قبل فتح الطرقات. وفتح الحريري، الرافض للاستقالة بدون تأمين بديل يحول دون الفراغ، الباب امام جملة احتمالات ظهرت بوادرها في استقباله غير العلني لناشطين في الحراك المدني، وفي بحثه مع مستشاريه وعدد من السفراء موضوع الحكومة، وفي استقباله لجنة “العفو العام” حيث ذكر ان هناك محاولة يرعاها الرئيس نبيه بري تقضي بتنشيط المجلس النيابي ليقر كل الورقة الاصلاحية المتضمنة قانون العفو بديلاً من استقالة الحكومة او تعديلها وسبيلاً لخروج الحكم والحكومة من المأزق.
على وقع هذا الانسداد الظاهر، قالت مصادر مقربة من “التيار الوطني الحر” ان الحريري تسلم صيغة تتعلق بالتعديل الحكومي بحيث يصار الى تعيين بديل من وزراء “القوات” مع استبدال عدد من الوزراء لا يكون بينهم اسم جبران باسيل. واشارت الى ان مسألة تغيير وزير الخارجية محصورة في تغيير الحكومة وليس في تعديلها. وجزمت بأن الصيغ المطروحة تدور حول تعديل حكومي وليس التغيير.
ونقلت مصادر سياسية ان رئيس الجمهورية كان رفض طلباً تقدم به سعد الحريري لاستقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة بلا باسيل ولا وزير المالية علي حسن خليل فكان جواب عون: حكومة بلا جبران يعني حكومة من دونك فانت رئيس تيار سياسي وكذلك هو.
وفي مقابل اجواء التعنت على مقلب السلطة، تقدم الاحتضان الشعبي للثورة ولمطلبها الاساسي تشكيل حكومة مصغرة من اخصائيين. فدعا البطريرك بشارة الراعي في قداس الاحد في بكركي بلهجة حاسمة الى “تأليف حكومة جديدة بكل وجوهها، مصغرة وحيادية، ومؤلفة من شخصيات مشهود لها بكفاءاتها، وتكون محط ثقة الشعب، ومتفقاً عليها مسبقاً منعاً للفراغ، لتعمل على تطبيق الورقة الإصلاحية، والتي يقبلها المتظاهرون ولكنهم لا يثقون بأن الحكومة الحالية قادرة على تنفيذها، وقد أمضت سنتين بعد مؤتمر “سيدر” لكتابتها، ولم تقم إلى الآن بأي إصلاح مطلوب من هذا المؤتمر للاستفادة من المال المرصود لمساعدة النهضة الإقتصادية في لبنان”.
وحسم زعيم “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط رأيه في هذا الاطار، فقال في تغريدة مسائية: “بكل صراحة وبعيداً من التخوين والتشكيك وربط الامور بنظريات المؤامرة ومنعاً من الوصول الى الفوضى او الانهيار يجب تشكيل حكومة جديدة بعيداً من التيارات السياسية والاحزاب تعطي صدمة ثقل للداخل والخارج وتكون اولوية العمل الوضع المالي وكيفية معالجة الدين، لانه مع كل لحظة تأخير الخسارة اكبر.
كذلك انضم النائب في “تكتل لبنان القوي” ميشال معوض الى هذا المطلب ليكون بذلك ثالث نائب “منشق” عن جبران باسيل بعد شامل روكز ونعمت افرام.