فتح الطرقات بلا استشارات يؤجّج الثورة
على وقع محاولات تأجيل الاستشارات النيابية وتعامل المنظومة الحاكمة مع ثورة 17 تشرين بمكابرة ومحاولتها الالتفاف على مطالبها او اعادة عقارب الساعة الى الوراء عادت الاحتجاجات مساء امس متركزة في طرابلس وصيدا والبقاع الغربي وعكار حيث سقط جرحى لدى محاولة الجيش فتح الطريق في ببنين، في ما بدا انه رسالة تحذيرية من الشعب الى السلطة. الامر الذي ارخى بظلال من الشك على نتائج فتح الطرقات والدعوة الى استئناف الدراسة في المدارس والجامعات اضافة الى فتح المصارف غداً الجمعة.
ولعل أسوأ ما قد تأتينا به السلطة هو تشكيلة حكومية، يبدو أنها قيد التداول، ترضي شكلاً الثورة، وتطعنها ضمناً بالصميم. الترجمة العملية لذلك هي الإتيان بشخصيات تكنوقراط، من أصحاب السير الذاتية والمهنية الرفيعة الشأن، ولكنها كاملة الولاء لأركان السلطة. هكذا تكون ذئاب السلطة انتدبت إلى الواجهة الحكومية نعاجاً وادعة يرتاح إليها الرأي العام، عبر إنتاج مشهدية توحي بأن هناك تغييراً جذرياً، وأن صوت الثورة حقاً وصل، أما في الواقع فتكون خيوط اللعبة ممسوكة من هؤلاء أنفسهم الذين استقطبوا غضب الشارع ورفضه.
ولاستكمال الخديعة قد يصار أيضاً، وهو أيضاً ضمن الدرس، إلى تنقيح هذه التشكيلة التكنوقراطية ببعض الشخصيات الوسطية أو المعروفة بقربها من المجتمع المدني والتي تحظى باحترام المجتمع الدولي المتابع للشأن اللبناني… هو سيناريو قيد التداول وقد يكون الأكثر احتمالاً خاصة بعد تلقي السلطة رسائل من دول غربية تحضها على الأخذ بالإعتبار تطلعات الشعب اللبناني كشرط لإعادة تفعيل مؤتمر “سيدر” المتوقف والذي سبق ان انفردت “نداء الوطن” بالاشارة الى الغاء اجتماع متعلق به كان مقرراً في 13 تشرين الثاني المقبل. هكذا تكون السلطة ومن خلال هذه البدعة الحكومية قد أصابت عصفورين بحجر. تخدير الثورة من جهة وتطمين الدول المانحة من جهة ثانية.
وعشية الموقف الذي سيعلنه الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله غداً، كان ترقّب لما سيعلنه رئيس الجمهورية ميشال عون مساء اليوم في الذكرى الثالثة لانتخابه، بعدما أعرَبَ عن شكره الحريري والوزراء، وطلب منهم تصريف الأعمال من غير اعلان مواعيد الاستشارات.
وإذ اتضح ان المشكلة الاساسية كان عنوانها “جبران باسيل”، فإن الثنائي الشيعي كان مصراً حتى امس على ان اي تعديل وزاري لن يطاله. ويبدو ان هذا العنوان لا يزال يفرض نفسه في ظل اعتقاد عون و”حزب الله” ان عدم توزير باسيل يعني نهايته السياسية، واستطراداً الرئاسية. وفي المقابل، بات مؤكداً ان لا رئيس حكومة سيقبل بوجود باسيل فيها خصوصاً أن الرأي العام اللبناني حوّله رمزاً يجب التخلص منه.
وأكد عون امام وفد من الرابطة المارونية، انه ستكون للبنان حكومة نظيفة، معتبراً “ان ما حصل في الشارع فتح الباب على الاصلاح الكبير، واذا ما برزت عوائق فإن الشعب في حالة ترقب ومتحفز وسينزل الى الشارع مجدداً”، مشيراً الى “ان مكامن الفساد معروفة ويجب محاسبة الفاسدين ومحاكمتهم، وعلى من يشتكي من الفساد ان يقدم اثباتات عمّا يرتكبه الفاسدون امام القضاء المختص لا الاكتفاء بمجرد الكلام العام عن الفساد في الصالونات”. وقال: “اليوم لن ننتظرهم وسنقوم بما يجب القيام به”. وشدد على “انه من الآن وصاعداً تغيّر الجو الاجتماعي وصار اللبنانيون يصرخون معنا بما نطالب به في توجهاتنا”.
في هذا الوقت، نقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول بارز مطلع أنّ الحريري مستعدّ لتولي رئاسة الوزراء في حكومة جديدة بشرط أن تضم تكنوقراطاً قادرين على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة بسرعة لتجنب انهيار اقتصادي.
وقال المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه إن الحكومة الجديدة يجب أن تكون خالية من مجموعة من الساسة البارزين الذين شملتهم الحكومة المستقيلة.
وأوضحت مصادر “التيار الوطني الحر” لـ”نداء الوطن”: “حددنا معياراً على قاعدة “من ساواك بنفسه ما ظلم” والامر سار على الجميع. وبالنسبة الينا لا تزال نتائج الانتخابات النيابية هي الاساس في الاستشارات الملزمة”.
في هذا الوقت، نعى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع التسوية السياسية، مؤكداً سقوطها الحتمي، جازماً عدم مشاركة “القوات” في حكومة سياسية، وأكد ان المطلوب “حكومة انقاذ خالية من الوجوه التقليدية المتجذرة في الحكومات منذ سنوات، تضم رجالات مستقلة”.
وحذّر جعجع من الاعتقاد بأن الحراك انتهى، وقال: “هو يكمن على الكوع في انتظار ما ستفعله السلطة، فإذا عمدت الى تبديل الوجوه فقط، فإن مشهد الثلاثة عشر يوماً مرشح للاستمرار لمدة 130 يوماً على الارجح. وآنذاك لن يبقى بلد ليحكموه ويتحكموا به”.
وأوضح ان نواب كتلة “الجمهورية القوية” سيسمّون في الاستشارات من يقبل بتشكيل حكومة بالمواصفات التي ذكرناها، علماً ان الرئيس الحريري هو خيارنا الاول لحكومة مماثلة. وبتقديري ان الشارع سيقبل بحكومة من هذا النوع توحي بالثقة اذا رأسها الحريري.
وفي تدخل سافر بالشأن اللبناني، أعلن مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي أنّ للمتظاهرين في العراق ولبنان مطالب “مشروعة”، ولكنّه دعا إلى التحرك “ضمن الهيكليات والأطر القانونية”.