IMLebanon

نداء الوطن: عون يلوِّح بحكومة تكنوقراط تستبعد الحريري

الشارع يردّ بالعصيان وقطع الطرقات

على وقع استمرار الثورة متمثلة بتظاهرات وقطع طرقات متقطع في ارجاء مختلفة من لبنان زادت مع استقالة الرئيس سعد الحريري، وعلى وقع استمرار “الثنائي الشيعي” والتيار العوني في ترويج نظرية المؤامرة والصاق التهم بالثوار، تارة بتمويل مشبوه وطوراً بالتبعية للسفارات، جاءت كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون امس في مناسبة انقضاء نصف ولايته لتعطي فكرة عن الحكومة التي يتوقعها أو التي تطبخ في الكواليس، ويرجح انها تستبعد الحريري في مقابل استبعاد وزير الخارجية جبران باسيل.

وجاء الرد سريعاً على كلمة الرئيس من الشارع الذي عبر عن موقفه بقطع الطرقات وحرق الاطارات من جديد خصوصاً في صيدا والبقاع الغربي وطرابلس والجية وبيروت.

وبدا الرئيس عون في كلمته التي بدأها بكشف حساب السنوات الثلاث العجاف نائياً بنفسه عن المسؤولية متبنياً مطالب الثورة في رفض الفساد وتحقيق السلطة القضائية والدولة المدنية وصولاً الى حكومة التكنوقراط، بل مغالياً في الاصلاحات الى حد التعهد بإقرار قانون موحد للأحوال الشخصية يعرف مسبقاً الاعتراضات الدينية وخصوصا الاسلامية عليه.

فأورد سلسلة من الانجازات تتعلق بالاستقرار الأمني ومحاربة الإرهاب وإقرار قانون انتخاب، لكنه استدخلها في حسابه وليس في حساب حكومات الحريري. وارتكب خطأ في شمل التعيينات بالإنجازات كونها كانت محاصصة وحزبية ومحسوبية بامتياز. وإذ ركز الخطاب على جردة الايجابيات، فإنه تناسى كل الصفقات التي كان فريقه وحلفاؤه والتسوية الرئاسية مسؤولين مباشرة عنها. وإذ لم ينس تحميل “التركة الثقيلة” والسياسات الاقتصادية المتراكمة عبء الأزمة الاقتصادية، (هي مسؤولية حريرية في ادبيات التيار)، فانه اغفل استمرار الهدر في الكهرباء المصدر الاساسي للعجز منذ شارك “التيار” في السلطة وفي السنوات الثلاث الأخيرة. كذلك ضرب صفحاً عن ازمة النفايات وعدم معالجة قضية الدين العام والحرائق التي كشفت فشل الدولة الشامل ناهيك عن استمرار الفلتان على المعابر ووهم معالجة قضية النازحين وعدم المبادرة الى مناقشة جدية للاستراتيجية الدفاعية.

لكن رئيس الجمهورية اعترف صراحة بالحراك وأحقية مطالبه. وأكد ان صوت الشباب وصل وأنه يتعهد “تشكيل حكومة تنال ثقتكم قبل ثقة البرلمان”. وتفسير ذلك انه يناقض نظرية المؤامرة التي اطلقها الأمين العام لحزب الله ضد الثائرين ويسفِّه تياره السياسي الذي استنفر أجهزته الحزبية والاعلامية والوزارية والنيابية لتشويه مطالب الناس وسمعتهم وضرب محاولتهم تحصيل حقوقهم بالعيش الكريم ومطالبتهم بدولة محترمة. وهي خطوة استيعابية قوية من جانب المسؤول الاول في البلاد جاءت قاصرة لأن الرئيس لم يذكر اطلاقاً مطلباً اساسياً للحراك وهو اجراء انتخابات نيابية مبكرة.

وأعطى الرئيس عون اشارة الى نوع الوزارة التي يريد تشكيلها وحددها بحكومة “اصحاب خبرة وكفاءات” أي تكنوقراط، و”ليس وفق الولاءات والزعامات” اي انها لن تكون بوجوه حزبية وطائفية فاقعة ما يعني انها ستستثني المنتمين الى الأحزاب مباشرة على الأقل وعلى رأسهم صهره جبران باسيل الذي كان اكثر من استهدفه الحراك، وستكون “منسجمة” ما يمكن ان يوحي بحكومة تكنوقراطية قريبة من 8 آذار مطعمة بوجوه تلوذ بفلك هذا الفريق او لا لون لها تشبه الموظفين الذين يوالون من عيَّنهم.

وتوجه رئيس الجمهورية الى الكتل النيابية طالباً تسهيل ولادة الحكومة ورافضاً ان تتطور الأوضاع الى “شارع مقابل شارع” علماً ان فريقه يحضّر لحشد شعبي الاحد الى بعبدا لإظهار شعبيته وتجديد الولاء.

وقبل كلمة الرئيس عون كانت الاتصالات السياسية على قدم وساق بين اطراف الحكومة المستقيلة. ورجحت مصادر معنية بالاتصالات ألا تكون المداولات الجارية في الكواليس قد دخلت في تفاصيل تشكيلها استباقاً للاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية. وقالت المصادر لـ”نداء الوطن” إن لا تطور نوعياً على هذا الصعيد ولا سيما في ما يخص عقدة استبعاد الوزير باسيل.

واتفقت مصادر متطابقة على انه لم يتحقق اي خرق نوعي، وأن تقديرات معظم الذين يتولون التواصل بين الرئاسات الثلاث أن الرئيس عون يؤخر الاستشارات إلى ما بعد الحشد الشعبي الذي يقام الأحد في القصر الرئاسي. وذكرت هذه المصادر أن قيادة “التيار الحر” تريد توظيف هذا الحشد في مواجهة الحراك الشعبي، ولمصلحة إعادة توزير باسيل قبيل الاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة. وقالت إن فريق العهد يسعى لتكريس معادلة الحريري مقابل باسيل “وجئنا سوياً ونخرج سوياً” من الحكم.

في المقلب الآخر، ما زال الحريري على موقفه بوجوب قيام حكومة مصغرة تكنو – سياسية، لا تضم باسيل، كي لا تأتي صيغتها متجاهلة الحراك الشعبي ومطالبه. بينما بقيت الأسئلة حول موقف الرئيس عون و”حزب الله” من تسمية الحريري لتأليف الحكومة الجديدة.

وأوضحت مصادر مقربة من الحريري لـ “نداء الوطن” أن تكليفه تأليف الحكومة لن يكون سهلا عليه، لأنه سيمسك بين يديه كرتي نار هما الحراك الشعبي، والوضع الاقتصادي الصعب. وصيغة الحكومة العتيدة في حال جرى تكليفه، يفترض أن تعكس القدرة على إطفاء الكرتين.

ويضيف مقربون من الحريري أنه “إذا افترضنا عدم وضع عراقيل في التأليف، فإن هذا لا ينفي أن الحريري سيكون أمام مهمة معالجة اقتصاد ومالية متراجعة، ضاقت مهلة التصدي لهما، وأمام حركة شعبية غير مسبوقة في البلد، ما يجعل رئاسته للحكومة مسؤولية كبرى على عاتقه.