الثورة إلى مرافق الفساد… وتصنيف سلبي جديد للبنان
وفي اليوم العشرين فتحت معظم الطرقات، بعضها طوعاً، وبعضها الآخر بالقوة كما جرى في جل الديب وخصوصا في ذوق مصبح، حيث رافق فتح الجيش الاوتوستراد خشونة لافتة عكست قراراً صارماً بفتح الطريق الساحلي.
وقال منظمون لمجموعات واسعة في الانتفاضة ان حركتهم انتقلت الى مرحلة جديدة اساسها التجمع امام “مؤسسات الفساد” العامة والخاصة وتعطيل العمل فيها. وحددت لذلك “بنك اهداف” يتمثل خصوصا بالمصارف وشركتي الاتصالات وشركة الكهرباء والأملاك البحرية. وذكرت انها ستصدر تباعا جدول مواعيد للتجمعات والتظاهرات.
وفي صفعة جديدة امس خفضت وكالة “موديز” التصنيف الائتماني للبنان مرة جديدة ليصبح Caa2 من Caa1 مع إبقاء لبنان قيد المراجعة لفترة ثلاثة أشهر، نحو المزيد من التخفيض.
وأوضحت الوكالة أن هذا التخفيض “يعكس زيادة احتمالات إعادة جدولة الدين او إعادة النظر في طريقة إدارة المستحقات” ما قد يزيد مخاطر تخلّف الدولة عن دفع مستحقاتها، مضيفة أن “الاحتجاجات الاجتماعية الواسعة، واستقالة الحكومة وفقدان ثقة المستثمرين قوضت بشكل إضافي نموذج لبنان التمويلي التقليدي والقائم على التدفقات الرأسمالية ونمو الودائع المصرفية”.
وكانت وكالة “فيتش” في 23 آب خفّضت تصنيف لبنان درجة واحدة من B- إلى ccc بينما أبقت وكالة “ستاندارد أند بورز” تصنيف لبنان كما هو عند B-، مرجحة استمرار تراجع ثقة المستثمرين ما لم تتمكن الحكومة من “تطبيق اصلاحات بنيوية لتقليل العجز في الموازنة وتحسين النشاط التجاري”.
وعلى صعيد مساعي ما قبل الاستشارات، ذكرت مصادر متطابقة لـ”نداء الوطن” أنه على رغم استمرار تأخير الدعوة إلى الاستشارات الملزمة، فإن الكوة فتحت بعد ظهر الإثنين في جدار المأزق نتيجة اللقاء المطول بين رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري مع رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل، لكن الأمر يتوقف على التوافق حول شكل الحكومة.
وكررت مصادر مقربة من الحريري القول إنه لا يسعى إلى العودة إلى رئاسة الحكومة بل إلى معالجة الأزمة التي أوجبت استقالته، وأنه أكد لباسيل ولغيره من الفرقاء الذين اتصلوا به أنه ليس راكضاً وراء المنصب. وقال لباسيل: “أنصحك أنت أيضا بأن تقعد على جنب لأن ما حصل في البلد كبير جداً ويجب عدم الاستخفاف به”.
وعلمت “نداء الوطن” أن باسيل (وغيره) سأل الحريري عن نظرته للحكومة إذا أعيد تكليفه فكان جوابه أن لديه شروطه ونظرته التي تتلخص بأن قواعد العمل الحكومي السابقة وتوزيعات المناصب الوزارية القائمة على أساس المحاصصة وفقاً لموازين القوى اللبنانية التي كانت قائمة، لم تعد صالحة، لأن هناك موازين قوى جديدة في البلد بوجود الحراك الشعبي الذي ملأ الساحات، “وأنا لا أذهب إلى حكومة لا يكون طابعها الأساسي من الاختصاصيين، والمطلوب إخراج الحكومة المقبلة من سطوة الأحزاب والقوى السياسية الموجودة على الساحة”. وفهم باسيل وغيره من محدثي الحريري أنه يفضل أن يجلس جانباً طالما أنه لا يرشح نفسه لرئاسة الحكومة.
وذكرت المصادر إياها أن هذا التوجه لدى الحريري لا يعود على الإطلاق إلى قبوله بنظرية خروجه من الحكومة مقابل خروج باسيل لأنه يرفض مساواته وموازنته مع باسيل، بل يعود إلى نظرته إلى الوضع السياسي المأزوم في البلد وإلى ضرورة التجاوب مع ما أفرزه الحراك الشعبي.
وهل يرتب ذلك أن يسمي الحريري مرشحاً لرئاسة الحكومة؟ اجابت المصادر القريبة منه انها حذرة حيال هذا الخيار نتيجة الخشية من أن أي شخصية يسميها قد تتم مواجهتها بالعراقيل لإفشال محاولات الحكومة الجديدة إيجاد الحلول للوضع الاقتصادي وبالتالي تحميله هو المسؤولية. ورجحت المصادر أن يتجه الحريري إلى تغطية من تتم تسميته لاحقاً، وهو سبق أن دعا إلى تعيين موعد للاستشارات ليختار النواب من يريدون.
إلا أن بعض الأوساط المواكبة لاتصالات حلحلة عقد تأليف الحكومة تنتظر مداولات اضافية، وأن يلتقي باسيل الحريري ثانية في الساعات المقبلة بعدما التقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أول من أمس و”حزب الله” أمس، الذي كان لعب دورا في إقناع باسيل بضرورة فتح حوار مع الحريري، بموازاة الدور الذي لعبه المدير العام للأمن العام اللواء عباس براهيم ورجل الأعمال علاء الخواجة. وكان الحريري التقى أمس مطولا وزير المال علي حسن خليل موفدا من رئيس البرلمان نبيه بري.
وتفيد الأوساط نفسها أن البحث يدور على حكومة تكنوقراط (أو اختصاصيين) مطعمة ببعض السياسيين، وليس على صيغة حكومة سياسية مطعمة بتكنوقراط، على رغم أن الحريري يفضل قيام حكومة اختصاصيين مع وزراء سياسيين، تأخذ في الاعتبار هويتهم وفقا لمنطق الحراك الشعبي، الذي بات معطى سياسيا فرض نفسه على الساحة.
وقالت المصادر المواكبة لـ”نداء الوطن” إن البحث تناول إطار الحكومة العام بين الحريري وباسيل وأن تثبيت المبدأ الذي أشار إليه الحريري قد يسمح باستكمال التفاصيل في الساعات المقبلة. إلا أن هذه المصادر أبلغت “نداء الوطن” أن الحريري لم يمانع أن يتولى هو تسمية مرشح مفضل لديه لرئاسة الحكومة، في وقت لم تستبعد مصادر أخرى أن يرجح وزيرة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال ريا الحسن لهذه المهمة. ورأت المصادر أن ترجيح سيدة لرئاسة الحكومة قد يلقى صدى إيجابياً لدى الحراك الشعبي وكذلك لدى المجتمع الدولي الذي يعرف الحسن باعتبارها خبيرة مالية واقتصادية سبق لها أن تولت وزارة المال في حكومة سابقة للحريري.
وفي المقابل دعت أوساط سياسية بارزة إلى ترقب ما سيكون عليه موقف “حزب الله” وحركة “أمل” اللذين يصران على تمثيل سياسي للقوى السياسية وعدم استبعادها.
كما أن أوساطا وزارية دعت إلى مراقبة مدى استعداد “حزب الله” والرئيس عون لتسريع إنجاز الحكومة، لأنهما كانا اشترطا ألا يتم التغيير الحكومي تحت ضغط الشارع، ولفتت إلى خطوات الجيش وقوى الأمن بفتح الطرقات في الكثير من المناطق في هذا السياق، بعد تهديدات “أمل” و”حزب الله” بفتحها.