علاء أبو فخر شهيد الثورة
عذراً فخامة الرئيس، لم تكن بحاجة إلى إطلالة إعلامية، جديدة في الشكل ولا تتضمن أي جديد في المضمون. لا أنت حملت أجوبة تشفي غليل الناس وتحاكي هواجسهم ومتطلباتهم، ولا أنت أساساً في موقع “المونة” على الثائرين لتطلب منهم العودة إلى بيوتهم. بل على نقيض ما رمت إليه، أتت عبارة “عودوا إلى بيوتكم” التي توجّه بها رئيس الجمهورية ميشال عون إلى الناس المنتفضين على الطبقة الحاكمة بنتائج عكسية بالمعنى الحرفي للكلمة، فمن كان منهم في بيته نزل إلى الشارع ليلاً ليعبّر عن حجم الاستفزاز الذي شعر به جراء هذه العبارة وسواها من العبارات الانفعالية التي استخدمها عون في معرض مخاطبته المواطنين، وأبرزها وأكثرها استغراباً عبارة فسّرتها وسائل التواصل الاجتماعي على أنّ من لا يعجبه أحد من السلطة عليه أن يهاجر من البلد!
باختصار أجّجت مضامين مقابلة رئيس الجمهورية الشارع بدل أن تساهم في إخماد نيرانه، ففي الميدان سُجّل سقوط أول شهيد للثورة المواطن علاء أبو فخر (أمين سر وكالة داخلية الشويفات في الحزب التقدمي الاشتراكي) إثر تعرضه لإطلاق نار من احد العسكريين عند مثلث خلدة، أصيب بنتيجته بإصابة قاتلة نقل على إثرها إلى مستشفى كمال جنبلاط ليلاً. وعلى الأثر، انتقل رئيس “الحزب” وليد جنبلاط إلى المستشفى حيث خاطب المتجمهرين الغاضبين طالباً منهم الاحتكام للدولة، لأنه “برغم ما جرى هذه الليلة لا ملجأ لنا إلا الدولة” منعاً للوقوع في الفوضى، ومؤكداً أنه اتصل بقائد الجيش العماد جوزيف عون وسيُجرى تحقيق عسكري في قضية استشهاد أبو فخر. وتزامناً، أصدرت قيادة الجيش بياناً أوضحت فيه أنه “أثناء مرور آلية عسكرية تابعة للجيش في محلة خلدة، صادفت مجموعة من المتظاهرين تقوم بقطع الطريق فحصل تلاسن وتدافع مع العسكريين، مما اضطر أحد العناصر إلى إطلاق النار لتفريقهم ما أدى إلى إصابة أحد الأشخاص، وقد باشرت قيادة الجيش تحقيقاً بالموضوع بعد توقيف العسكري مطلق النار بإشارة القضاء المختص”.
وفي السياسة، حتى مسألة الاستشارات النيابية الملزمة التي من المفترض أنّ عون ممسك بمفتاح الحل والربط في تحديد موعدها، لم يكن حاسماً في الإجابة عنها تاركاً احتمال إرجائها مفتوحاً في حال عدم الوصول إلى توافق على التأليف قبل التكليف، وإن لم يستبعد الدعوة إليها نهاية الأسبوع الجاري، مع إصراره في الوقت عينه على وجوب أن تكون حكومة “تكنوسياسية” مناصفة بين التكنوقراط والقوى السياسية، وإلا فإنّ كل من يطالب بحكومة اختصاصيين بحتة يكون “يعيش في عالم آخر”.
وإذ بدأ مقابلته المتلفزة في سياق هادئ منوهاً بإيجابيات الحراك الشعبي الذي اعتبره يجسد في مطالبه أجندة بعبدا الإصلاحية، مبرراً عدم قدرته على تطبيقها بكونه “مكبلاً بالتناقضات في الحكم والمجتمع وبالخلايا الفاسدة”، لكنّ عون سرعان ما انجرف بانفعال نحو جادة التهويل على المنتفضين وتحميلهم مسؤولية “نكبة البلد”، فضلاً عن تحميله الإعلام مسؤولية تهييج الناس والشارع، آخذاً على الثورة الشعبية أنها لا تملك “Leader”، وإذا استمروا على المنوال نفسه فإنهم يكونون بذلك يقضون على لبنان متحدثاً عن المنتفضين بالقول: “يجب أن نرجع إلى الحياة الطبيعية وإذا ما بدهم يصدقونا نحنا كمان ما منصدقهم، عم يطعنوا الوطن بالخنجر”.
وكما للمنتفضين، كان لرئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري حيّز من رسائل رئيس الجمهورية الذي وضع تردّد الحريري في قبول مهمة تكليفه تشكيل حكومة تضم سياسيين في خانة “الأسباب الشخصية”، مبدياً في المقابل تصميمه على ضمان ورقة التأليف قبل إطلاق سراح ورقة التكليف، لأنّه بخلاف ذلك “يذهب الرئيس المكلف إلى بيته وينام”، مقابل تأكيد عون أنه لا يستطيع أحد أن يضع “فيتو” على توزير رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ولا أن يمنع تمثيل “حزب الله” الذي يمثل ثلث اللبنانيين. أما عن مطالبة رئيس حزب “القوات اللبنانية” بحكومة تكنوقراط مستقلين، فأجاب عون متهكماً: “من وين بجيبهم من القمر؟”.
إذاً، وبانتظار ما سيؤول إليه المشهد الدراماتيكي الدموي الذي عكسته إطلالة رئيس الجمهورية ليلاً في الشارع، فمن الواضح أنّ التعثر الحكومي مستمر فصولاً، وفشل السلطة في الخروج من مأزقها السياسي والاقتصادي والمالي أضحى عنوان المرحلة حتى إشعار آخر، وسط تسجيل دخول فرنسي خجول على خط الأزمة، مع المحادثات الاستطلاعية المرتقبة لمدير دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو في بيروت اليوم.
وعلى المستوى الدولي أيضاً، برز موقف روسي “فاقع” في مناهضته مطالب ثورة الشعب اللبناني عبّر عنه وزير الخارجية سيرغي لافروف، الذي اعتبر خلال منتدى السلام المنعقد في باريس أنّ “فكرة تشكيل حكومة تكنوقرط هي أمر غير واقعي في لبنان”. في حين شدّد سفراء مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، من قصر بعبدا، أهمية تشكيل حكومة جديدة “بصورة عاجلة” لمواكبة التطورات، بينما طالب عون أمام السفراء العرب المعتمدين في لبنان أمس بمساعدة الدول العربية للنهوض بالاقتصاد اللبناني مجدداً.