شهر على الثورة… وتنويه بابوي بـ”الانتفاضة الشعبية المذهلة”
إنقلبت الطاولة على حكومته وجرفه نهر الشعب مع من جرف من وزرائها، رأى بأمّ عينه حجم الامتعاض الشعبي العارم وصدى الهتافات الهادرة في التعبير عن نبذ الثوار من مختلف الطوائف والمناطق أسلوبه الاستفزازي في العمل السياسي، أثقل كاهل العهد العوني بخلافات وتوترات حكومية وسياسية “كربجت” تقليعته الإصلاحية مراراً وتكراراً، حتى ما كاد يبلغ منتصف الولاية بشق الأنفس لتثور ثائرة الثوار رفضاً لاستشراء الفساد والهدر وتعاظم حالة التدهور الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي والخدماتي والبيئي والصحي والبنيوي في منظومة الدولة… شهر على الثورة التي هزّت عروش أهل الحكم، ولا يزال جبران باسيل، جبران باسيل، أداؤه هو هو دونما أي اتعاظ من الرياح الشعبية العاتية التي أجبرت أعتى الرؤوس الحامية في البلد على الانحناء في وجه العاصفة. بالأمس ضرب مجدداً “3 بواحد” مصيباً صلاحيات الرئاسات الثلاث بحجر واحد، فهو استأثر بصلاحيات الرئاسة الأولى وحدّد موعد الاستشارات النيابية الملزمة، وصادر صلاحيات المجلس النيابي فحسم بالنيابة عن 128 نائباً من سيكون رئيساً مكلفاً للحكومة، واغتصب صلاحية الرئيس المكلف المرتقب فرسم شكل وطبيعة وتركيبة حكومته.
وإذ أربك رئاسة الجمهورية فسارعت مصادر قصر بعبدا إلى تعميم أجواء تنفي أي علم أو علاقة لدوائر القصر بكل ما صدر من تسريبات تتعلق بتشكيل الحكومة ولا بتحديد موعد استشارات التكليف، بينما وضعت مصادر مقربة من “بيت الوسط” كلامه في خانة “رجعت حليمة لعادتها القديمة”، لعلّ أكبر المتضررين من كلام باسيل هو الوزير السابق محمد الصفدي الذي سرعان ما احترقت “طبخة” تكليفه تحت نار التسريبات المتتالية التي تعمّد رئيس “التيار الوطني الحر” ضخّها في الفضاء الإعلامي منذ ليل الخميس، بالتزامن مع انعقاد لقاء “الخليلين” في بيت الوسط وصولاً إلى تطويبه “رئيساً مكلفاً” نهار الأمس، في سياق دعائي ممنهج تعامل بموجبه باسيل بوصفه الراعي الرسمي لتكليف الصفدي.
إذاً، وبعد أن تسبب أداؤه بتأجيج الشارع وتهييج الناس ضد ترشيح الصفدي لرئاسة الحكومة، أعاد رئيس “التيار الوطني الحر” الملف الحكومي إلى مربعه الأول مقوّضاً اتجاه رئيس الجمهورية إلى الدعوة لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة في القصر الجمهوري نهار بعد غد الإثنين. غير أنّ مصادر القصر التي أكدت هذا الاتجاه الذي كان لدى رئيس الجمهورية، شدّدت في الوقت عينه على أنّ كلام باسيل لم يكن السبب في العودة إلى التريث بتحديد موعد الاستشارات، وقالت لـ”نداء الوطن”: “شيء ما طرأ لدى الرئيس سعد الحريري لناحية تسريب مسألة عدم حسم مشاركة “المستقبل” في الحكومة الجديدة، الأمر الذي دفع رئيس الجمهورية إلى التأمل وعدم تحديد الموعد”، موضحةً أنّ “التكليف مرتبط بالتأليف وبالتالي لا تكليف ولا تأليف من دون التيارات الوازنة ومنها طبعاً تيار المستقبل”، وختمت: “الرئيس لن يحدد موعداً للاستشارات ما لم تُحسم الأمور، وطالما أنّ الموعد لم يُحدد رسمياً يعني أنّ الأمور لا تزال بحاجة لمزيد من المشاورات”.
وفي المقابل، عزت مصادر مطلعة لـ”نداء الوطن” تسريب رفض الحريري المشاركة في الحكومة المرتقبة إلى ما طُرح من صيغة حكومية من 24 وزيراً تضم وجوهاً سياسية بارزة، بعدما كان الاتفاق ألا يكون في الحكومة أي شخصيات سياسية نافرة أو مستفزّة. في وقت استرعى الانتباه على خط موازٍ الموقف الصادر عن رؤساء الحكومات السابقين، الذين أعادوا التأكيد على موقفهم الأساسي “بإعادة تسمية الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة”، وأوضحت مصادر الرؤساء الثلاثة لـ”نداء الوطن” أنّ موقفهم هذا كان ولا يزال على حاله ولم يطرأ عليه أي تعديل وقد أبلغوه شخصياً للرئيس الحريري، مع تأكيدهم على رفض ترشيح أي شخصية غيره، حتى الرئيس تمام سلام رفض ترشيحه لرئاسة الحكومة، وأجاب الحريري حين استمزج رأيه بالموضوع قائلاً: “أنا أحمل إرث عائلة سلام ولن أتحمّل ردة فعل الشارع”.
في الغضون، ومع إطفائها شمعة شهرها الأول، تلقّت الثورة الشعبية اللبنانية مباركة بابوية لافتة بوصفها تمثّل “انتفاضة شعبية مذهلة ودينامية إيجابية لا ينبغي أن تنطفئ بأي شكل من الأشكال”، حسبما عبّر السفير البابوي المطران جوزف سبيتري أمام مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك، مشدداً على وجوب العمل نحو “لبنان متجدد أكثر عدالة وديموقراطية”. وفي ختام أعماله، أكد المجلس الذي انعقد في بكركي برئاسة البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي أنّ “ما يشهده لبنان منذ 17 تشرين الأول هو انتفاضة تاريخية تجاوز فيها الشعب الانتماء الطائفي والمذهبي والحزبي إلى الانتماء الوطني”، مؤيدين مطلب الشعب المنتفض الذي فقد الثقة بالقادة السياسيين بتشكيل “حكومة ذات مصداقية وفعالية”، مع تنويه المجتمعين بـ”ظاهرة الاعتصام في الساحات والشوارع” باعتبارها تجسّد “حدثاً فريداً من نوعه في تاريخ لبنان”.