الاستشارات معلّقة… و”رسالة عربية” اليوم لمنع “انزلاق البلد”
“كلّن يعني كلّن” يدورون في فلك المراوحة والمراوغة والهروب إلى الأمام. لا يزالون يعيشون في عالم المحاصصة والتحاصص وتقطيع “قالب” السلطة على حساب الناس واحتياجاتها المطلبية. يمتهنون فنّ المراوغة ويبدعون في حرق الوقت والمراحل والأسماء وجديد البدع السلطوية تعليق ملف الاستشارات النيابية “الملزمة” وتعويم حكومة تصريف الأعمال حتى إشعار آخر بانتظار الاتفاق على توزيع المغانم الحكومية في تشكيلة “إدارة التفليسة” المرتقبة. إستقال سعد الحريري من رئاسة الحكومة وأعلن عزوفه عن الترشح لتشكيل حكومة من غير الاختصاصيين، فتنفس شارع الثورة الصعداء ظناً منه أنّ قصر بعبدا سرعان ما سيفتح أبوابه أمام النواب لإجراء استشارات التكليف، لكنّ الظنّ سرعان ما خاب وعادت الأمور إلى مربعها الأول تحت وطأة “المطاردة” المستمرة بين قوى الثامن من آذار والحريري على قاعدة “وراك وراك والزمن طويل” فإما أن يقبل بدفتر شروط التكليف الذي وضعته هذه القوى أو أن يزكّي أحد المرشحين لخلافته يكون جاهزاً للبصم على هذا الدفتر.
إذاً، حسمت مصادر مقربة من قصر بعبدا أمس لـ”نداء الوطن” عدم الاتجاه إلى تحديد موعد للاستشارات النيابية هذا الأسبوع مبررة ذلك بأنّ الحريري “لم يعطِ موافقته بعد على إسم آخر لرئاسة الحكومة” بينما جاء كلام عضو كتلة “المستقبل” النائب سمير الجسر عن أنّ الكتلة لديها مرشح واحد لرئاسة الحكومة هو الرئيس سعد الحريري ليزيد “الطين بلة” في الملف الحكومي، بعدما اتخذت قوى الثامن من آذار هذا التصريح مطيّة جديدة للتصويب على الحريري وإعادته مخفوراً إلى خانة العرقلة انطلاقاً من تهمة “أنا أو لا أحد”.
وإذ شددت المصادر القريبة من بعبدا على أنّ “رئيس الجمهورية ميشال عون لا يريد للأزمة أن تطول لكن يبدو أنّ هناك من يريد ذلك”، لفتت إلى أنّ “عدم تحديد موعد الاستشارات يعود إلى وجود بعض العقد التي لا تزال تحتاج إلى حلحلة”، موضحةً في هذا المجال أنّ عون لا يرغب في “تخطّي موقف الطائفة السنيّة أو الإجماع السنّي ويفرض مرشحاً لرئاسة الحكومة، وأساساً لم يكن قصر بعبدا مَن طرح إسم رجل الاعمال سمير الخطيب لتولي رئاسة الحكومة بل بعض الكتل وتبيّن أنّ الأمر يحتاج إلى مزيد من الحوار للتوافق على إسم المرشح”.
على خط موازٍ، وبينما لوحظت نبرة التحامل واضحة على الحريري في موقف “حزب الله” الذي عبرت عنه قناة “المنار” محملةً إياه دون أن تسمّيه في مقدمة نشرتها المسائية مسؤولية تعطيل انعقاد حكومة تصريف الأعمال، كان رئيس مجلس النواب نبيه بري على الموجة نفسها يتساءل مستغرباً خلال لقاء الأربعاء النيابي “عدم قيام الحكومة المستقيلة بواجباتها لتسيير أمور البلاد” فجاءه الرد سريعاً على لسان مصدر مقرب من الحريري بالتأكيد عبر “مستقبل ويب” على أنّ حكومة تصريف الأعمال تقوم بواجباتها، مع إشارة لا تخلو من “الغمز واللمز” حول قيام الحكومة بـ”إحصاء الأضرار التي نجمت عن حوادث بيروت وطرابلس ومحاولات استفزاز التحركات الشعبية وكأن شيئاً لم يكن في البلاد منذ 17تشرين”.
وعلى وقع هذا التجاذب الحكومي، رأت مصادر رفيعة في قوى 8 آذار أنّ “الأزمة ستطول على ما يبدو وبالتالي يجب إعادة تفعيل حكومة تصريف الأعمال”، محملةً المسؤولية في عدم التقدم باتجاه إجراء الاستشارات النيابية إلى الحريري وقالت لـ”نداء الوطن”: “أولاً كاد اسم بهيج طبارة أن يمرّ ولكن الحريري تراجع عن القبول به وحرق الإسم كما فعل أيضاً مع محمد الصفدي، وسمير الخطيب الذي طُرح أخيراً لم ينل مباركة الحريري وحين قال الخطيب لبري عندما زاره “أنا أصحاب مع الحريري” أجابه بري “الصحبة وحدها ما بتكفي” فهو حتى الساعة لا يبدو أنه تمكن من الاستحصال على أي من الإيضاحات والإجابات التي كان من المفترض أن يستحصل عليها لتغطية ترشيحه”. وتختصر المصادر الموقف بالقول: “نحن كقوى 8آذار نريد إما الاتفاق على الحريري رئيساً أو الاتفاق مع الحريري على رئيس للحكومة، ولكنه لم يتجاوب معنا في النقطة الأولى وحتى اللحظة لا يتجاوب معنا في النقطة الثانية”، مضيفةً رداً على سؤال: “لا بديل عن الحكومة التكنو – سياسية وأي حكومة خالية من السياسيين لن تمر في مجلس النواب”.
في الغضون وأمام اشتداد الأزمة السياسية في لبنان والمخاطر الاقتصادية الوشيكة المحدقة بالبلد، كلّف الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط الأمين العام المساعد السفير حسام زكي بالتوجه الى بيروت موفداً شخصياً من قبله بهدف اللقاء مع القيادات اللبنانية، ومن المنتظر أن يبدأ موفد الجامعة اتصالاته اليوم في بيروت حيث يلتقي كلاً من الرؤساء الثلاثة، وكذلك قائد الجيش العماد جوزيف عون وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بالإضافة إلى بعض اللقاءات الأخرى مع قيادات سياسية وفعاليات للتعرف على صورة الوضع الحالي بدقة.
وقالت مصادر مطلعة على الزيارة لـ”نداء الوطن” إنّ زكي سيبلغ الرؤساء الثلاثة “رسالة شفهية من أبو الغيط تؤكد وقوف الجامعة العربية إلى جانب لبنان في هذا الظرف الدقيق، واستعدادها للقيام بما يساعد اللبنانيين على تجاوزه في أقرب وقت وبأقل خسائر”. في حين علمت “نداء الوطن” أن الرسالة تتضمن “حرص الجامعة العربية على استقرار لبنان والسلم الأهلي فيه، وحثه على ضرورة معالجة الأزمة السياسية على نحوٍ يُلبي التطلعات المُحقة للشعب اللبناني، بشكل يحول في الوقت نفسه دون انزلاق البلد إلى أوضاع سياسية واقتصادية خطيرة خصوصاً إذا طال أمدُ الأزمة من دون مخرج”.