بين واشنطن وبيروت… “وجهان” لعملة لبنانية واحدة. هناك رئيس حكومة جاهد واجتهد في سبيل النأي بلبنان جيشاً واستقراراً واقتصاداً عن تداعيات العقوبات الأميركية على “حزب الله”، وهنا رئيس جمهورية أعاد بكلمتين الجمهورية بأسرها إلى كمين العقوبات على “الحزب”. فبعد الذي قاله وسمعه رئيس الحكومة سعد الحريري على مدار لقاءاته مع المسؤولين الأميركيين من تطمينات إلى الفصل بين سياسة دعم الدولة اللبنانية وسياسة خنق “حزب الله”، خرج رئيس الجمهورية ميشال عون في أول تصريح دشّن فيه صيفيته في “بيت الدين” ليقول “شو بدنا بواشنطن” رداً على سؤال عن أجوائها ونظرتها للأمور في لبنان، من دون أن يتردد في التخندق خلف “انتصار تموز” على طريقة “ولى زمن الهزائم” ليلاقي من باحة “بيت الدين” خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في ساحة “بنت جبيل” ويكون معه على الموجة نفسها في التهديد بـ”نصر إلهي” جديد في أي حرب جديدة.
فوقوف اللبنانيين كافة على مختلف مشاربهم وانتماءاتهم السياسية والحزبية والطائفية صفاً واحداً في مواجهة التهديدات والمطامع الإسرائيلية شيء، وشيء آخر كلياً أن يمنح رئيس البلاد تكليفاً شرعياً وغطاءً دستورياً لحروب “حزب الله” الذي استشهد أمينه العام بتصريح عون حول “تكرار الانتصار”، مثنياً عليه في معرض كيل التهديد والوعيد للغرب والعرب قبل أن يزجّ اللبنانيين مخفورين في أتون نيران المحور الإيراني من خلال تصنيفه لبنان على لائحة ساحات “جبهة الممانعة” التي جزم بأنها “ستشعل المنطقة كلها” إذا ما تعرضت إيران لأي حرب… “واللي بيفهموا بلبنان والمنطقة يفهموا” بحسب تعبير نصرالله.
إذاً وبمسافات ضوئية لا تقاس في تظهير التباين الرسمي في النظرة إلى مصلحة لبنان، بين دعاة النأي به عن حروب إيران وعقوبات “حزب الله” وبين دعاة الزج به في عنق الزجاجة الإيرانية، أتت مشهدية الساعات الأخيرة لتعكس أفقاً ضبابياً مفتوحاً على مختلف المخاطر السياسية والسيادية والعسكرية والاقتصادية، وإن كان رئيس الحكومة بدا حريصاً ومتفاهماً مع الأميركيين على وجوب تحييد البلد عن الغضبة الأميركية على “حزب الله” انطلاقاً من عبارة اختصر فيها الموقف بالقول إثر لقائه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو: “لا يمكننا أن نغيّر وجهة نظر الإدارة الأميركية في ما خص العقوبات لكن ما نحاول القيام به هو تجنيب لبنان أي تبعات، فهم بالتأكيد سيتشددون في كل ما يتعلق بإيران ومن يساعدها ويتواصل معها، ونحن شرحنا لهم وجهة نظرنا بضرورة تجنيب لبنان تبعات هذه العقوبات، وأعتقد أن رسالتنا وصلت بشكل جيد”، مضيفاً رداً على سؤال عن موضوع مصانع الصواريخ الخاصة بـ”حزب الله” على الأراضي اللبنانية: “هناك نقاش نقوم به مع الإدارة الأميركية وعلى صعيد داخلي، ونحاول إيجاد أفضل الطرق لعدم وضع لبنان في موقع خطر”.
وإلى بيروت، حيث ضجت الأوساط السياسية والديبلوماسية مساءً في تحليل أبعاد زج نصرالله للبنان في محور الدفاع عن إيران ومخاطر تأكيده عزم الحزب على إشعال الجبهة اللبنانية في حال تعرضت طهران لأي حرب، فقد علّقت مصادر “القوات البنانية” لـ”نداء الوطن” على كلام نصرالله، فرفضت أي “معادلات توريطية” للبنان الذي شددت على كونه لا يندرج ضمن “أي محور ممانع لا من قريب ولا من بعيد” بل هو كان وسيبقى “في محور الشرعيتين الدولية والعربية وفي محور اتفاق الطائف والدستور”.
وإذ أعربت عن رفض “تمنين اللبنانيين بأن “حزب الله” لا يصرف فائض القوة داخلياً”، جددت “القوات” عبر مصادرها مطالبة رئيسي الجمهورية والحكومة بتحذير الحزب من مغبة “استخدام سلاحه وتوريط لبنان في أي حروب وهزّ استقراره الأمني والسياسي والاقتصادي”.