IMLebanon

جمهوريّة ماذا ومَن؟

كلّف النائب العامّ لدى محكمة التمييز بالإنابة القاضي عماد قبلان، قسم المباحث الجنائيّة، في كتاب صادر عن النيابة العامّة التمييزيّة، في 12/9/2019، الرقم 5994/م/2019، “دعوة كلٍّ من الأستاذ بشارة شربل بصفته رئيس التحرير في صحيفة “نداء الوطن”، والأستاذ جورج برباري بصفته المدير المسؤول عن صحيفة “نداء الوطن”، بوجوب الحضور إلى جلسة تُعقد في مكتبنا الكائن في قصر عدل بيروت، الطابق الرابع، يوم الأربعاء الواقع فيه 18/9/2019، الساعة التاسعة والنصف صباحًا”.

يُذكَر أن صحيفة “نداء الوطن” كانت صدرت الخميس 12 أيلول وفي عنوان صفحتها الأولى “سفراء جدد في بعبدا… أهلًا بكم في جمهوريّة خامنئي”.

الزميلان صحافيّان، ويعملان في الصحافة تحت هذه الصفة. وقد نصّ القانون بشكلٍ واضحٍ وصريح في المرسوم الاشتراعي رقم 104/77 وتعديلاته، على أنّ محكمة المطبوعات هي التي تنظر في المخالفات المتعلّقة بالصحافة والصحافيّين. فإذا كان الصحافيّان قد ارتكبا مخالفةً في مجال عملهما الصحافيّ، فيجب معرفة هذه المخالفة. وإذا تقدّم أحدهم بشكوى أو بدعوى ضدّهما، فيجب أنْ تُظَهَّر هذه الشكوى وتلك الدعوى، وأنْ يحالا بموجبهما على محكمة المطبوعات. فقط على محكمة المطبوعات. واذا اقتضى التحقيق، فيحال الملفّ على قاضي التحقيق.

أنا مواطنٌ في جمهوريّة لبنان غير السعيدة، أريد بصفتي هذه، فضلًا عن صفتي كاتبًا وصحافيًّا، يهمّني أنْ أعرف ماذا ارتكب الزميلان بشارة شربل وجورج برباري لكي يستدعيهما النائب العامّ التمييزيّ إلى مكتبه؟

الصحافيّ، لا يمثل أمام الضابطة العدليّة ولا يستدعى أمامها. هذا ما يقوله القانون.

في ظلّ دولة القانون، وفي ظلّ عدم وجود ادّعاءٍ (علنيّ) في حقّهما، أسأل هل يجوز تجاوز قانون المطبوعات فيتمّ استدعاء صحافيّ الى النيابة العامّة بناءً على إخبارٍ أو على طلبٍ من وزارة العدل؟ هل يحقّ للنائب العامّ أن يتجاوز قانون المطبوعات؟

أريد أن أعرف لأيّ سببٍ، وبأيّ حقٍّ، تتخطى النيابة العامّة التمييزيّة، المؤتمنة على الحرّيات والحقوق في لبنان، أحكام المرسوم الاشتراعي رقم 104/77، بـ”دعوة” صحافيين إلى “وجوب الحضور” إلى النيابة العامة؟ وبأيّ صفة؟ وبأيّ جريمة؟

أمّا قبل ذلك، وبعد ذلك، فثمّة سؤالٌ جوهريٌّ يجب أنْ أطرحه، لا على وزارة العدل، ووزيرها فحسب، بل على السلطة التنفيذيّة كلّها، وعلى السلطة القضائيّة، كما على السلطة التشريعيّة، وعلى رأس الدولة، المؤتمن على الدستور والحرّيّات: أنحن حقًّا في بلد الحريّات، كما تنصّ الفقرة جيم (ج) من مقدمة الدستور “لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرّيّة الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعيّة والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل”؟

في بلد الحرّيّات المزعوم هذا، أهكذا يُستدعى الصحافيّون للاستماع إليهم أمام المباحث الجنائيّة، وغير المباحث الجنائيّة، بسبب رأيٍ أو قولٍ أو تعبيرٍ أو موقف؟

هل ضاقت الأمور بالسلطات وبالحكّام إلى هذا الحدّ، فبات عنوانٌ في جريدة، أو غير ذلك، سببًا لاستدعاء الصحافيّين، والتضييق عليهم، وترهيبهم، بهدف تعميم الرأي الواحد، والقول الواحد، والتعبير الواحد، والموقف الواحد؟

سأفترض أنّ المسؤولين لم يتحمّلوا يومذاك، عنوان جريدة “نداء الوطن”، “جمهوريّة خامنئي”، الذي جاء، على الأرجح، في أعقاب مواقف مدوٍّية متتالية على مرّ الأعوام، متلفزة ومنشورة، للسيّد حسن نصرالله، منها في وقتٍ سابق أنّ قرار الحرب والسلم بيد الوليّ الفقيه، وآخرها قبل أيّامٍ، في العاشر من عاشوراء، “هذا المعسكر الذي يقف على رأسه سماحة الإمام القائد السيّد الخامنئي دام ظلّه الشريف، نحن هنا من لبنان نقول للعالم كلّه إنّ إمامنا وقائدنا وسيّدنا وعزيزنا وحسيننا في هذا الزمان هو سماحة آية الله العظمى الإمام السيّد علي الحسيني الخامنئي دام ظلّه وأنّ الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران هي قلب المحور وهي مركزه الأساسيّ وهي داعمه الأقوى وهي عنوانه وعنفوانه وقوّته وحقيقته وجوهره”.

فليقل لنا المسؤولون الرسميّون، نحن في جمهوريّة ماذا، وفي جمهوريّة مَن؟

يؤلمني أشدّ الألم الممزوج بالمرارة والهول والخيبة، أنْ أقول بصوتٍ جهوريٍّ إنّنا لسنا في الجمهوريّة اللبنانيّة البرلمانيّة الديموقراطيّة التي نشأنا على الولاء للحرّيّات التي يتباهى دستورها بأنّه يحميها ويصونها ويرعاها.

لكنْ، إذا لم تكن هذه الجمهوريّة اللبنانيّة هي جمهوريّةٌ برلمانيّةٌ ديموقراطيّة، فهي، والحال هذه، جمهوريّة ماذا، وجمهوريّة مَن؟