IMLebanon

نداء الوطن: السلطة تعاند… والثوّار ثابتون على الطرقات… باريس تلغي اجتماعاً لـ”سيدر”

 

بين صمود شعب وعناد سلطة، يتراوح المشهد اليوم، وبينهما، لبنان في قلب الانهيار. إلا أن السلطة تبقى مأزومة، والمبادرة بيد الشارع، فهي وحدها من يتحمّل مسؤولية الانهيار الاقتصادي والمالي، وقد بدأ قبل الثورة، والثورة اليوم هي نتيجة سياستها، مهما حاولت تسييسها.

ويبقى الكباش على أشده، بين شعب لم تغمض له عين منذ 13 يوماً، وسلطة لم يرفّ لها جفن، بل تتصرّف وكأن شيئاً لم يكن، وتصمّ آذانها عن مطالب الناس، وصرخات المتظاهرين في الساحات لم تتردّد اصداؤها في أرجاء القصر الجمهوري في بعبدا ولا في السراي الحكومي أو في “بيت الوسط”، لا بل يمضي رئيس الحكومة قدماً في عقد الاجتماعات وترؤس اللجان الوزارية، في وقت تعلن الهيئة السياسية في “التيار الوطني الحر” رفع السرية المصرفية عن نواب التيار ووزرائه في عرض مسرحي أجمع الخبراء على كونه فاقد الاثارة.

وعلى وقع انسداد الأفق السياسي تعرض اللبنانيون أمس الى صدمتين إقتصاديتين خطرتين أضيفتا الى الأزمة التي تشهدها البلاد جراء تعنت السلطة في تلبية مطالب الشعب الثائر.

فقد علمت “نداء الوطن” أن مسؤولين فرنسيين اتصلوا أمس برئيس الحكومة سعد الحريري وأبلغوه إلغاء اجتماع لمناقشة تفاصيل “سيدر”، كان مقرراً عقده في العاصمة الفرنسية في 13 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. وقالت مصادر مطلعة إن باريس أبلغت السراي أن لا جدوى من انعقاد الاجتماع في ظل الواقع السياسي المستجد، خصوصاً أنها لم تلمس إصلاحات جدية حتى الآن. وأبدت رغبتها في رؤية واقع سياسي جديد مدخله تشكيل حكومة جديدة. ورأت المصادر في حدث إلغاء الاجتماع مؤشراً الى أن المجتمع الدولي بدأ يتحرك ويضغط لتحريك الجمود الحالي وتفادي تفاقم الاوضاع.

في موازاة ذلك كان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يفجّر قنبلة من العيار الثقيل أطلقت في كل اتجاه. فقال: “إنها مسألة أيام قبل الإنهيار”، وذلك في مقابلة مع شبكة “سي إن إن”، قبل أن يشير إلى أن رئيس الحكومة أراد الإستقالة ولكنه يتلافى الفراغ عبر العمل على تشكيل فريق حكومي جديد يعيد الثقة ويبعد شبح الإنهيار.

المهم في ما قاله حاكم مصرف لبنان ليس تبريره تأخر الحريري في إعلان إستقالته، ولكن اعترافه للمرة الأولى بقرب الإنهيار الوشيك. كذلك فإن في كلام الحاكم إقراراً ضمنياً بأن الحل “لا بد أن يمر بتغيير الواقع الحكومي كما جاء في رسالة كلمة رئيس الجمهورية”.

 

أما على ارض الواقع، فـ”حزب الله” لا يزال متمسكاً بخيار “لا تعديل ولا تغيير”، مراهناً إما على تعب الثوار أو على حلول أمنية لها محاذير خارجية وداخلية على السواء. ولكن في الحالتين وفي غياب أي تسوية سياسية في الأفق، يتوقع أن ينتقل الضغط من الشارع إلى المصارف. فقرارها باستمرار الإقفال يربحها بعض الوقت، ولكنه بدأ ينفد. فهناك قطاعات مهددة بالإنهيار لأنها انقطعت عن شركائها ووكلائها ومورديها في الخارج وانعزلت عن الأنظمة المالية والمنصات التجارية العالمية.

فماذا لو فتحت المصارف ولا بوادر حل في الأفق؟ الترجمة الأولى لسيناريو من هذا النوع ليس فقط تراجع تحويلات اللبنانيين من الخارج، كما قال سلامة لـ “سي إن إن”، إنما ايضاً في سحب مرتفع الوتيرة للودائع بما فيها ودائع المقيمين في الخارج، أضف إلى ذلك إقبال المواطنين إلى كونتوارات المصارف طالبين إسترداد ما لديهم من مدخرات. سيناريو من هذا النوع لا قدرة للمصارف على مواجهته خاصة في ظل الوضع الدقيق جداً الذي تمر به، حيث تقلصت سيولتها إلى أقصى الحدود بسبب سياسات مصرف لبنان وهندساته المالية الرامية إلى تمويل عجز الخزينة المتنامي.

وهكذا، فإذا كانت المصارف غير قادرة فالضغط سيتحول إلى مصرف لبنان. ولكن هو أيضاً ليس بأفضل حال. فتقارير وكالات التصنيف خير دليل على ذلك. وكان آخرها تقرير “موديز” الصادر في أول الشهر الجاري ويشير الى أن إحتياطي مصرف لبنان القابل للإستعمال يتراوح بين 6 و 10 مليارات دولار. الارقام أقل بكثير مما كان يتداول في الفترة الأخيرة، ذلك إذا تجاهلنا أن هناك إستحقاقات على الأبواب من فوائد على اليوروبوند وما جاء في خطة الحريري لخفض كلفة الدين عبر مساهمة القطاع المصرفي، أي مصرف لبنان عملياً، بمبلغ 3.2 مليارات دولار.

أزمة سيولة حقيقية ستطيح بالليرة ولن يوقفها سوى صدمة إيجابية كبيرة تتمثل بفريق حكومي جديد كامل الصلاحيات وخارج نظام المحاصصة وقادر على إنجاز الإصلاحات بسرعة هائلة، وإعادة ربط الثقة مع شعبه ومع المجتمع الدولي لا سيما شركاء “سيدر”.

باختصار، البلاد ذاهبة إلى الإنهيار إذا ما بقي أركان السلطة على عنادهم. فعبثاً يحاول إعلامهم تحميل المسؤولية للحراك الشعبي كما لو أن الأمور كانت على أحسن حال قبل الثورة، أو إلى القطاع المصرفي في محاولة يائسة لإيجاد كبش محرقة غير السلطة.