IMLebanon

ليل كافر

ليل الأمة كافر. في القاموس، «تاج العروس»، الليل الكافر هو الليل الشديد العتمة. ثورة 2011 صادرتها الإمبريالية والدول الإقليمية أي تركيا وإيران، والدول العربية الاستبدادية الإمبراطورية، وحولتها إلى حروب أهلية دامية. ليل كافر هو الليل الذي ينعقد فيه مجلس الأمن، وتستدعي دول عربية الغرب الإمبريالي ليبيعنا السلاح وليتدخل مباشرة لحل قضية ليبيا مثلاً، فكأننا في هذه البلاد تنقصنا الأسلحة. ليل كافر هو عندما نترجى الغرب أن يحل قضايانا العربية. معنى ذلك عودة الاستعمار برضانا.

ليل كافر عندما نعتبر أن لـ «داعش» وأخواتها وجرائمها بيئة حاضنة. هي شعوب لم تكن كذلك، وصارت كذلك. عندما كان عبد الناصر يخوض صراعاً مع «الإخوان المسلمين» كان جمهور الناس معه. كان لواؤه العروبة وكان لواؤهم الإسلام. والسادات الذي جاء بعد عبد الناصر تحالف مع الإسلام السياسي لنزع الناصرية، والتطورات اللاحقة في تركيا وإيران، جاءت بالإسلاميين. شعوبهم بيئة حاضنة لشيء آخر. شعوبنا ينقشع ليلها بالعروبة العلمانية لا بفيض روحي من قائد أو بفيض رباني.

ليل كافر ينقشع بالعلمانية عندما ننتصر داخلياً على «داعش» وأخواتها وعندما نبني مجتمعاً حديثاً متماسكاً قادراً على حل قضاياهم وعلى تحرير فلسطين. كما قال ياسين الحافظ والياس مرقص، منذ أكثر من نصف قرن. القضية عربية، وتحرير فلسطين في قاع القضية. إسرائيل ضفدعة تنتصر على الفيل العربي، برغم أنها الأضعف تقنياً وسلاحاً وتأييداً عالمياً. نتفوق على إسرائيل عندما تتحقق إرادتنا في بناء المجتمع القادر على التماسك والتصنيع، المجتمع القادر على استخدام موارده بكوادر بشرية ذات كفاءة. أما بالتخلف والتأخر، فإننا ننتج «داعش» كمحاولة بائسة محبطة تدفع مقاتليها للانتحار. أمة مهزومة ذات إيديولوجيا مهزومة، الإيديولوجيا المهزومة هي التي تبرر الهزيمة، وتعتبر كل انتصار جزئي هو نهاية المعركة، بالأحرى نهاية الحرب وذلك ينتج عن اليأس لا عن الأمل. إسرائيل عدونا، صراعنا معها وجودي. معنى ذلك أن بقاءنا مرهون بزوالها، وبقاؤها مرهون بزوالنا. عند زوالها يكون النصر الحقيقي. الولايات المتحدة، ربيبة إسرائيل، تعاني من تناقضات داخلية، ويمكن أن تخسر معركة أو أخرى في منطقتنا. هزائمها حتى الآن لا تعني أننا انتصرنا. نحن ما زلنا مهزومين. يمكن أن تنهزم أميركا. لكن من قال إننا انتصرنا إلا في معارك جزئية (بالنسبة للأمة العربية) كما في عامي 2000 و2006.

الصراع الراهن هو بين مجتمعات. وعندما يحصل بين مجتمع متقدم حديث ومجتمع تقليدي يسكن في الماضي ويعجز عن التماسك والبناء وإنتاج الحداثة لا استيرادها، فإنه من الطبيعي أن ينتصر المجتمع المتقدم ولو كان صغيراً، على المجتمع المتخلف المتأخر ولو كان يكبره بأضعاف. الضفدعة تركب الفيل إذا كانت حديثة وهو متأخر.

إذا كان مجتمعنا «بيئة حاضنة»؛ فهو حتماً ضعيف، وهو سائر نحو مزيد من الهزائم. شعوبنا تقاوم، وهذا هو الأمر الطبيعي. وهي تقاوم منذ أن دخل الغرب إلى بلادنا قبل أكثر من قرنين. وإسرائيل وجود غربي كشف هشاشة البنى التقليدية في مجتمعنا العربي. لا ننتصر عندما ننهي كل معركة مع إسرائيل باتفاق السلام معها. ما دامت إسرائيل موجودة فنحن مهزومون. لم يضع عبد الناصر المعركة في أمر اليوم بل دُفِع إليها؛ ووُضِعت الأفخاخ كي يقع فيها. نُزعت الناصرية والعقلانية بعد موته؛ وجاء الإحياء الإسلامي ليقضي على ما تبقى منها.

الطبقات العليا في مجتمعنا العربي تابعة للإمبراطورية ذاتياً وموضوعياً. لا تهمها مواجهة إسرائيل ولا زوال الأمة العربية. الطبقات الدنيا عندنا قاومت المرة بعد الأخرى خلال القرنين الماضيين. وفي كل مرة كانت تهزم، وفي كل مرة كانت الإمبراطورية تعيد ترتيب أوضاعها، وفي كل مرة تزداد إسرائيل قوة ونزداد ضعفاً. الليل كافر.

نخرج من الليل إلى النور بحداثة نضعها نحن على هدي العلم الحديث، لا العلوم الموروثة من الماضي؛ وذلك عندما تتحول مجتمعاتنا إلى العلم الحديث والصناعة والزراعة والإنتاج واستخدام الموارد بعقلانية، وممارسة السياسة بعقلانية. يلزمنا من أجل ذلك الكثير من النضال كي يصير مجتمعنا قادراً على الانتصار. ولا يصير كذلك إلا بالتغلب على هذه الدول الاستبدادية التي تحكمنا، وبالتغلب أولاً على ذاتنا المتخلفة والماضوية والتقليدوية. ننتقل إلى الحداثة عندما نصنعها نحن باستيعاب الثقافة العالمية، لا عندما نستوردها ونستهلك صادراتها ونكرر أفكارها كالببغاوات. «داعش» وأخواتها جزء من الهزيمة التي تستورد التكنولوجيا الحديثة وتعتمد في أفكارها على الماضي. تعيش في الماضي وإن بأدوات حديثة. نريد صنع المستقبل بأن نعيش الحاضر والمستقبل في ضوء المستقبل بأفكار المستقبل. ما زلنا دون ذلك.

بلادنا العربية هي المركز العالمي للصراع ضد الإمبريالية. هي معركة شرسة فرضت علينا. ولا خروج منها بالانتصار إلا ببناء مجتمع حديث مترابط، وبالخروج من هذا الليل الكافر. علينا أن ننتصر على أنفسنا أولاً.