IMLebanon

الشرطة البلدية ترصد لصوص الليل وتتصدّى لهم

 

 

الريغارات والمصبّعات والديجنكتورات بعد المجوهرات والسيارات

 

” سرقات ع مد النظر ما بيرتدع عنها بشر” مطلع أغنية محرّفة تصلح أن تحتل المرتبة الأولى في لائحة الأغاني الوطنية لهذا الزمن الرديء. كل شيء بات محللاً للسرقة، فعدا السيارات والدراجات والحقائب والأموال والمجوهرات، ثمة كنوز جديدة “ينيشن” عليها السارقون: الريغارات، المصبّعات، الاسلاك الكهربائية، بطاريات السيارات وحتى مصابيح الإضاءة… قوى الأمن لهم بالمرصاد لكن جبهة الدفاع الأولى في مواجهتهم تبقى الشرطة البلدية. فكيف يواجه شبابها العزل لصوص الليل؟ وما مدى فعاليتهم في الحد من موجة السرقات التي تطال الشوارع والأحياء؟

 

الحرامية ينغلون في الليالي والنهارات، لا يفرّقون بين أملاك خاصة أو عامة، وأفعالهم تخطت الأعمال الفردية وتحولت الى ظاهرة تديرها عصابات محترفة. “ابو علي كونتاك”، “أبو بعجور”، “حلاوة” اسماء لبعض رؤوس عصابات تمكنت قوى الأمن الداخلي من القبض عليها مؤخراً. ومن يطّلع يومياً على بيانات المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي يجدها حافلة باسماء مرتكبين لأعمال سرقة تتم ملاحقتهم وتوقيفهم في مختلف المناطق اللبنانية. فحوادث السرقة سجلت ارتفاعاً ملحوظاً وفق احصائيات نشرتها مؤخرا الدولية للمعلومات بلغت نسبتها خلال الأشهر الـ 10 الأولى من العام الحالي 56.3% مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2019. وفي المقارنة بين شهري تشرين الاول 2019- 2020 بلغت نسبة الارتفاع 92.4%. وبمتابعة بيانات قوى الأمن يتبين ان السرقات في ازدياد منذ تشرين الأول وحتى اليوم. من هنا يصبح السؤال ملحاً اين دور البلديات في الحراسة و تسيير الدوريات للحد من ظاهرة السرقة؟ وما مدى قدرتها في ظل الشحّ المالي الذي تعانيه على التصدي لموجة السرقات في المناطق؟

 

الخوف من تفلت قادم

 

بلدية سن الفيل التي تعد من أكبر البلديات في ساحل المتن الشمالي وأكثرها نشاطاً لا تزال قادرة حتى اليوم على ضبط الأوضاع في نطاق عملها لكن قد تفلت الأمور من يدها إذا استمرت الأوضاع الاقتصادية في لبنان على ما هي عليه. هذا ما يقوله لـ”نداء الوطن” السيد نبيل كحالة الذي التقيناه في دار البلدية و بدا لنا متشائماً يخشى مما تحمله الأيام المقبلة من صعاب. فظاهرة السرقة بدأت إشاراتها تظهر مع بداية الأزمة الاقتصادية وارتفعت وتيرتها مع اشتداد الضائقة المادية. بداية كثفنا دوريات الشرطة البلدية يقول “الريّس” لكن عملية الحجر حدت من نشاطنا واضطرتنا ألا نكون موجودين بأعداد كافية على الطرقات او في البلدية. صحيح ان وضعنا أفضل من سوانا وللبلدية هيبتها وحضورها لكن عمليات السرقة حاضرة وجديدها الريغارات والمصبعات في الطرقات. سرقة السيارات قليلة نسبة الى مساحة المنطقة وعدد سكانها، أما عمليات النشل على الموتوسيكل فكثيرة فيما الخلع ودخول البيوت عنوة غير موجود في نطاقنا. الحراسة مؤمنة على مدى 24 ساعة ومقسمة على اربع نوبات: قبل الظهر وبعده وقبل منتصف الليل وبعده لكن عدد المناوبين من اعضاء الشرطة البلدية غير كافٍ لا سيما بعد منتصف الليل حيث يتراجع العدد من 30 فرداً قبل منتصف الليل الى 13 في الفترة الممتدة من منتصف الليل الى الصباح وهي عملياً الأخطر بالنسبة للسرقات. الحراسة تتم عبر مراكز ثابتة ودوريات سيارة تجول في الأحياء، ولكن الخوف يبقى ان تفلت الأمور من ايدينا وتزداد السرقات بشكل مخيف إذا طرق الجوع ابواب الناس أكثر.

 

سرقة موصوفة

 

بأم العين شهد رجال الشرطة البلدية في سن الفيل على عملية سرقة ريغار من وسط الطريق. تقدم فان مقفل وتوقف فوق الريغار مباشرة. لاحظ شباب الشرطة الأمر وترقبوا حركته، لكن مَن في داخل الفان تمكن من خلال فتحة في أرضيته أن يصطاد الريغار وينطلق مسرعاً قبل أن يتمكن أحد من ملاحقته تاركاً في بطن الطريق كوة مفتوحة. ولكن أية آلية تدخّل كان بإمكان شباب الشرطة البلدية استخدامها للإمساك به وهم غير مسلحين؟ يجيب الريس من الأفضل ألا يكونوا مسلحين تجنباً لحصول مشاكل ومواجهات قد تكون نتائجها خطيرة. غالباً ما يستعينون ببعضهم البعض من خلال أجهزة اللاسلكي كما أنهم موصولون مباشرة مع فصيلة درك المنطقة. هم مخولون اعتقال اي سارق او معتدٍ إذا وجدوه متلبساً بالجرم المشهود ولهم صلاحية الضابطة العدلية لكن لا يحق لهم احتجاز أحد بل يتم تحويل المعتقلين فوراً الى أقرب مخفر مع محضر يسلم الى القوى الأمنية.

 

هذه الآلية كانت تشهد مشكلة واضحة تمت معالجتها مؤخراً وفق ما يخبرنا الريس نبيل كحالة. فعنصر الشرطة الذي كان يعتقل مشبوهاً أو معتدياً ويسلمه الى المخفر كان يعامل مثله مثل المتهم ويتم احتجازه وطلب النشرة له للتأكد من ان لا جرم عليه وهذا ما كان يخفف من عزيمة العناصر في اعتقال السارقين وغيرهم. لكن مؤخراً صدر تعميم من وزير الداخلية العميد فهمي للتذكير بالقانون السابق الذي لم يكن ينفذ ويقضى بمنع طلب النشرة لعناصر شرطة البلدية واحتجاز حريتهم او التحقيق معهم وإدانتهم.

 

العين بصيرة و اليد قصيرة

 

للشرطة البلدية هيكليتها الواضحة، تبدأ برئيس الشرطة ثم مفوض اول للرئيس أو “الكوميسير” يليه ضابط الدوام وبعده رؤساء الدوريات وعناصر الشرطة ثم الحراس. وجودهم يشكل رادعاً يحمي الأحياء وأهلها ويجعل السارقين يحسبون ألف حساب قبل القيام بارتكاباتهم. ولكن كما يقال العين بصيرة واليد قصيرة وإمكانيات البلديات باتت ضعيفة جداً وما تحويه من أموال قد يمكنها من دفع رواتب موظفيها وعمالها لمدة عام كأقصى حد دون أن تتمكن من القيام بمعظم الأعمال المطلوبة منها. فكيف يمكن للبلدية أن تستمر في تسيير الدوريات إذا ما رفع الدعم عن المحروقات، هي التي تجد صعوبة اليوم في تزويد آلياتها بالمحروقات؟ وكيف يمكن لشرطة البلدية ان تراقب الشوارع إن لم تكن قادرة على استبدال مصابيح الإنارة المحروقة وقد اصبح سعرها خيالياً؟ ألا تترك ظلمة الشوارع المجال مفتوحاً للسارقين ليستغلوا الوضع بحريتهم؟ وماذا عن الريغارات المفتوحة ومياه الأمطار المتراكمة في الشوارع ألا تشكل عوائق أمام دوريات البلدية ؟ ألف سؤال وسؤال يمكن ان يطرح عن حال البلديات والجواب يختصره الريس نبيل بالقول : ضيعان التعب، كل جهودنا بالتحسين تكاد تذهب سدى والأيام المقبلة ستكون اسوأ فلا المال متوافر ولا قدرة الناس على الصمود موجودة. الله ينجينا من الأعظم…

 

دورات قتالية لشباب البلدية

 

انتقلنا الى بلدية عرمون وهي قرية ساحلية في قضاء عاليه، منطقة متنوعة في سكانها تقع على تخوم الضاحية الجنوبية. طالتها السرقات كما طالت غيرها من المناطق لا سيما أن البلدة محاطة بأحراج كثيفة تصعب مراقبتها. رئيس البلدية فضيل الجوهري حاسم جداً في أمور السرقة وفق قوله ويسعى جاهداً لتأمين حراسة 24/24 رغم العديد الضئيل نسبياً لعناصر الشرطة الذين لا يتجاوز عديدهم 12 عنصراً. لكن قد يصل العدد الى 80 شاباً متطوعاً للحراسة عند الحاجة كما يؤكد الريس. ولكن ما يعوض الكمية هو النوعية فشباب الشرطة كلهم “قبضايات” خضعوا لدورات تدريبية قتالية ويتميزون بالنشاط والقوة وقادرون على التعامل مع اية مشكلة تصادفهم حتى وإن كانوا لا يحملون اية اسلحة. إذا شكّوا بوجود سارق يطوقونه بحزم ويتعاملون معه “بما يلزم”، يضعون الكلبشات في يديه، يحققون معه كونهم ضابطة عدلية ثم يصطحبونه الى مخفر عرمون القريب.

 

وجود المخفر إذاً وسيلة دعم للبلدية لكن الجوهري يؤكد لنا ان فصيلة عرمون عديدها قليل لذا لا يستعين بهم إلا عند الحشرة وهم غالباً ما يحضرون للمؤازرة بعدما تكون عناصر الشرطة البلدية قد قامت بما عليها. ولأن الوقاية خير من العلاج فبلدية عرمون تعتمد استراتيجية استباق الأحداث حيث تقيم ما يشبه الحواجز او نقاط المراقبة للتأكد من كل سيارة تدخل المنطقة وتجول في الأحياء والأحراج المحيطة. ولا يتردد الريس في القول إنهم يتصرفون كالعسكر أي بحزم وجدية واحياناً بقوة لردع كل الارتكابات الممكنة. لكن هذا لا ينفي وجود عمليات سرقة كانت موجودة في الماضي وهي مستمرة اليوم وعلى تكاثر لا لنقص في الحماية بل لأن ثمة اشخاصاً باتوا مجبرين على السرقة ليؤمنوا قوت يومهم.

 

شباب المنطقة كلهم يؤازرون البلدية ويشكلون شبكة حماية لها لكن لا يسمح لهم بالتدخل فوق يد البلدية، بل يتصلون بالشرطة التي تسارع للقدوم فوراً في حال وجود شك بحصول سرقة. نسأل الريس إذا كانت موجة سرقة الريغارات قد وصلت اليهم؟ فيجيبنا بأنهم لم يلاحظوها و إن كانوا في الماضي قد تعرضوا لسرقات غريبة مثل الديجونكتورات والأسلاك الكهربائية والبطاريات…لكنهم يعانون من تزايد السرقات التي يقترفها اشخاص غرباء عن المنطقة وهؤلاء لا تساهل معهم يقولها صراحة “بياكلوا قتلة” ليكونوا عبرة لغيرهم.

 

“قتلة” السارق

 

بعيداً عن اسماع رئيس البلدية أخبرنا احد عناصر الشرطة انه لم يتوان مع رفاقه عن ” بلّ ايديهم ” بأحد السارقين الذي اعتقلوه متلبساً بعملية نشل اسفرت عن وقوع صبية على الأرض وارتطام رأسها بالرصيف. هول المشهد أخرجهم عن طورهم، تجمعوا حوله وعملوا له فلقة “نزلوا به” ضرباً و لبطاً ولكماً قبل أن “يسركلوه” ويصطحبوه الى المخفر… الضرب مخالف للقوانين البلدية والاعتداء على الجاني غير مسموح يقول العنصر لكننا أردناه ان يكون عبرة لسواه ولا شك ان الخبر سوف ينتشر سريعاً بين رفاقه وكل سارقي الموتوسيكلات ليتعلموا ألا يسببوا الأذى لأحد وألا يلعبوا معنا.

 

البلديات قادرة إذاً، إذا كانت تملك الحزم والإصرار على مواجهة السارقين، والحد من انتشار هذه الظاهرة ولكن الى متى يمكنها ان تستمر في القيام بمهمة الحراسة والحماية وهي لا تكاد تحصل على ربع مستحقاتها. فهل نشهد عودة الى زمن “مخول” و “الصوفيرة” و”الشاويش” لحماية الأحياء و القرى؟