IMLebanon

ليالي الأنس في فيينا.. هل تلد رئيساً لبنانياً؟

يكفي أنصار المعسكر المحتفي بالتفاهم النووي مشاهدة الشعب الايراني يتراقص في الشوارع، وسماع الرئيس الأميركي باراك اوباما يهدّد الكونغرس بـ «الفيتو»، للتيقّن بـ «أننا ربحنا الحرب».

في المقلب المضاد، يكفيهم الغضب السعودي و «الخدمة المجانية» الآتية من إسرائيل برذل الاتفاق للجزم بأن الاتفاق لن يكون نزهة تكرّس تقارباً بدا مستحيلاً في الماضي.

وما يسري على الأميركيين والايرانيين لن ينسحب بالضرورة على الرياض وطهران ليجرّ الاولى الى تسويات مؤلمة في أكثر من بقعة بينها لبنان!

إنطباعان في بيروت يحكمان ردّات الفعل الاولية من اتفاق قد يحتاج الى سنوات لاختبار متانته ومناعته. مع ذلك ثمّة ما لا يمكن حجب ارتداداته المباشرة على الساحة اللبنانية، ويتقاسم الفريقان وجهة نظر مفادها أنه مع اتفاق مفصلي كهذا في تاريخ الشعوب والمنطقة، يستحيل ان تبقى رئاسة الجمهورية ضائعة في زواريب ساحة النجمة.

وقفت لغة التفاوض بالطائرات ليبدأ الكلام بالتفاوض على الطاولات.. وفي الملفات كافة. المسألة فقــط مسألة وقت وتراتبية أولويات. البعض يجزم: لبنان الاسهل والاقل تعقيدا مقارنة بالبراكين المشــتعلة حوله.

هو مجرّد بصيص أمل كاف لجعل المرشّحين المفترضين للرئاسة، من اصحاب «الفخامة» التوافقية او الوفاقــية او الوسطية او الانقاذية، يرون أنفسهم وكأنهم كانوا حاضرين في»ليالي النووي» الاخيرة في فيينا.

المتفائلون يقيسونها على الشكل التالي. ستسقط نظرية وليد جنبلاط الذي روّج لها دوماً. الرئاسة «أهلية بمحلية»، فلنستفد من هذا الامتياز في ظل انشغال العالم بأزماته. نَصَح الزعيم الدرزي تكراراً من يعنيه الامر أن كرسيّ بعبدا ليست شأنا نوويا. استحضر تجربة انتخابات العام 1970 التي رُوّج لها دوما انها الوحيدة التي خيضت من دون تدخلات خارجية. فاز سليمان فرنجية على الياس سركيس بفارق صوت واحد في معركة فاقعة بديموقراطيتها. لم يكن الرجل زعيما مارونيا كفؤاد شهاب وكميل شمعون وبيار الجميل وريمون أده.

ظنّ «البيك» ان الامر ممكن مع الزعماء الموارنة الحاليين، ولـ «يتقمّص» اي مرشح آخر مقام سليمان فرنجية! لم يكن جنبلاط على حق. الانشغال الدولي والاقليمي كرّس جمود اللعبة السياسية ولم يلوّنها بتجربة رئاسية فريدة أحيلت الى الارشيف.

هكذا، وعلى الرغم من ولادة الاتفاق مشوباً بتساؤلات لا تنتهي حول ارتداداته على الملفات الجانبية المرتبطة بالدول المعنية به في المنطقة، وبينها لبنان، إلا أن منسوب التفاؤل ارتفع قليلا مانحا الشرعية للتحليل الذي ارتكز دوما على فرضية أن لا حلّ للازمة الرئاسية قبل أن تنقشع غيوم التفاوض النووي.

الامر لا يشبه بشيء زيارات جسّ النبض التي كان يقوم بها الموفد الفرنسي جان فرنسوا جيرو الى بيروت، ولا الزيارات الاستطلاعية للمسؤولين الدوليين طوال عام الفراغ. عندما «يَحبل» العالم باتفاق تاريخي بهذا الحجم لا بد ان تحصل «الولادة» في لبنان. وها هو الرئيس نبيه بري، المراهن الدائم على تسويات الخارج، يجزم بأن لبنان واليمن هما أوّل من يجب ان يستفيد من هذا الانفراج الدولي.

حلّت «النعمة النووية»، والستاتيكو اللبناني الرئاسي على حاله: ثلاثة مرشّحين معلنين. ومرشّحون بارزون مدرجون على لائحة الترشيح الافتراضي.

ميشال عون رفع أقصى السقوف بمحاولة فرض ترتيب زمني للاستحقاقات يبدأ بقانون الانتخاب وينتهي بانتخاب رئيس. في الساعات الماضية برزت أصوات في الصفّ العوني تشير الى ان تزامن هذا الطرح مع توقيع الاتفاق قد يعطي دفعا كبيرا لتحقيق هذه الروزنامة، إضافة الى تبنّي معــادلة الرئيــس القوي. الأهمّ أن الاتفــاق ربما قد يبقي عون مرشّحــا من دون ان يحيله الى صفوف الناخب الاول. سمير جعجع خاسر خاسر رئاسيا، فكيف إذا تابع صخب احتفال العالم بالمولــود النــووي الايراني. هنري حلو هــو مرشــّح جنبلاط الدائم حــتى يحــين أوان التوافق على خليفة ميشال سليمان!

بقيّة المرشّحين غير المعلنين استبشروا خيراً خصوصاً أن اتفاقا على قاعدة لا مغلوب ولا مغلوب لا بد ان ينتج رئيسا تسوويا. هم فئات واصناف وقماشات مختلفة لا تجمعها سوى الرغبة بدخول القصر من باب تسوية تشمل الرئاسة والملفات الخلافية كافة.

وبالدفع «النووي»، يشعر جزء من هؤلاء ان اسهمه باتت مرتفعة أكثر. بعد اشهر من التعطيل انتهت بوضع الاميركيين يدهم بيد الإيرانيين، يستحيل ان تعود الامور الى نقطة الصفر.

لكن الراصدين لـ«الزلزال» النووي يجزمون. حين يقال تسوية رئاسية يفترض النظر الى دفتر الشروط. حتى اللحظة ليس واضحا من سيتولّى صياغته. وحين يحصل هذا الامر سيكون الرئيس مرآة له وأمينا على تنفيذه. هي نتيجة حتمية للفرصة التي منحت للبنانيين لكي يختاروا ساكن القصر بمفردهم… وقد أضاعوها.