استثنائيّاً أكتبُ اليوم السبت، وهذا الاستثناء فرضه كلام صريح وصرخة ضمير وطني أوّلاً و»سُنّي» ثانياً، أطلقها يوم الخميس الماضي وزير الدّاخلية نهاد المشنوق من البقاع الأوسط، وفيما كانت القنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونيّة تنقل بالأمس عن مصادر لتيّار المستقبل تأكيدها أنّ الرئيس سعد الحريري «لن يسمح لأحد بإضعافه أو اختراق الساحة السُنيّة من خلال حلفاء سوريا وإيران في لبنان»، في نفس الوقت كانت هذه القنوات والمواقع تعلن تصدّر هاشتاغ «#المشنوق_ضمير_السُنّة» قائمة الترند في لبنان كأكثر العبارات تداولاً في وقت قصير…
وتطابق كلام الوزير نهاد المشنوق «حرفيّاً مع ما تعلنه أو تضمره صدور أبناء الطائفة السُنيّة، والتحذير الذي أطلقه جاء في وقته وهو ناطقٌ صادقٌ جدّاً في تقديره أنّ «الخزان الكبير الذي اسمه المسؤولية الوطنية لدى أهل السُنّة بدأ ينفد بعدما تعرّض للاستنزاف»، على الأقلّ مشهد التأليف الحكومي الذي تابعناه طوال الأشهر الخمسة الماضية، هو صورة فاضحة لاستنزاف خزّان المسؤوليّة الوطنيّة، كلام «الضّمير» الذي أعلنه المشنوق هو الوجع الصامت للطائفة السُنيّة وقياداتها وأوّلهم الرئيس سعد الحريري.
نعم، «من غير المقبول أن تصبح رئاسة الحكومة وحدها مركز خبرات لتفكيك العبوات السياسية وإزالة الألغام المتتالية التي تتكاثر يوماً بعد يوم»، لقد عطّل حزب الله بعنجهيّة تشكيل الحكومة، وبوقاحة صارخة يريد أن يفرض على الرئيس المكلّف توزير «سُنّي» من أتباع النظام المجرم في سوريا وأتباع حزب الله، عمليّاً لولا قانون الانتخابات «اللئيم» ـ كما وصفه مرّة الوزير المشنوق ـ «ما كانوا شافوا النيابة بعيونن» فقد لفظتهم الطائفة السُنيّة منذ زمن بعيد، وفوق هذا يريدون أن يكون هذا التوزير من حصّة الرئيس الحريري، وبُعيد تعنّت حزب الله خرجت أصوات المعنيّين في الرئاستيْن الأولى والثانية وحزب الله الحاكم بأمره بأنّ حلّ هذه العقدة عند الرئيس المكلّف!!
ربما الوزير نهاد المشنوق بصفته «مواطن من جمهور رفيق الحريري» أكثر من يعرف التضحيات التي قدّمها الحريري الأب، وسار على دربه فيها الحريري الإبن، وللأسف سياسة الاستنزاف والابتزاز التي مورست على الأب تمارس وبتعنّت أكبر على الحريري الإبن، وأجد، ومن باب الأمانة، لزاماً عليّ أن أقول: واحدة من أكبر خسائر «الطائفة السُنيّة» أن لا يكون نهاد المشنوق السّند القويّ في الحكومة التي يتعذّر تشكيلها حتى الآن، وهو كلام «أرجو به وجه الله تعالى، والتزام أوامر نبيّه صلوات الله عليه في قوله «الدّين النصيحة.. لله ﻭﻟﻜﺘﺎﺑﻪ ﻭﻟﺮﺳﻮﻟﻪ ﻭﻷﺋﻤﺔ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﻋﺎﻣّﺘﻬﻢ».
كلام المشنوق في توصيف ما تتعرّض له الطائفة السُنيّة ورأسها هو فيه فعلاً «ضمير السُنّة» لأنّ ما قاله هو شعورهم العميق والمستمرّ بالافتئات على حقوقهم: «حسابنا هو الحساب الوحيد المفتوح والكلّ يريد أن يغرف منه، وقد وصلت الأمور إلى مكان حيث يجب أن يعاد النظر في كل القواعد المفتعلة(…) ليس اختصاصنا وحدنا أن ننقذ المعادلة الوطنية».
«طفح الكيل»، هذه هي الكلمة التي تلخّص واقع «أهل السُنّة» في لبنان اليوم، ومن المؤسف أنّ البعض يعتقد صبر وأناة هذه الطائفة «ضعفاً»، لا يريدون أن يفهموا أنّ هذه الطائفة «لا ميليشيا لها» في زمن الحرب، ومشروعها الوحيد هو «الدّولة» و»العيش المشترك»، وهي ليست طائفة «فاجرة» ولا «مستقوية»، ونعم ما قاله «المشنوق ضمير السُنّة» هو لحظة «مكاشفة وطنيّة» يجب أن تؤخذ وسريعاً في الاعتبار «لأن الامور وصلت إلى مكان حيث لا يمكن السكوت ولا تكفي المراقبة»، لا يعد السّكوت ممكناً على مهزلة بطلها حزب الله المستمرّ في اختطاف البلد وشعبه وعلى جميع المستويات!
كمواطنة لبنانيّة من أبناء «الطائفة السُنيّة» أصرّ على توصيف الوزير نهاد المشنوق كما أسماه «هاشتاغ» تويتر بالأمس «ضمير السُنّة»، كلامه يوم الخميس الماضي كان حديث «أبناء طائفته» بالأمس، وما قاله هو الكلام المحبوس في ضمائر أبناء «الطائفة السُنيّة»، أخيراً نهض «رجلٌ منّا» يصرخ عنّا في وجه كلّ هذه الارتكابات الشنيعة في وجه تشكيل الحكومة «لأنّ الامور وصلت إلى مكان حيث لا يمكن السكوت ولا تكفي المراقبة»…