IMLebanon

بيروت الامتحان الصعب وتجربتها يجب أن تُخاض بناس آخرين

 

المشنوق يدعو السنّة والأحرار إلى التمرّد والعصيان السياسي

 

 

بالرغم من ان الإصرار الدولي على ضرورة اجراء الانتخابات النيابية في موعدها يشكل اولوية بالغة الأهمية، وتحدياً كبيراً يرتبط بمستقبل لبنان وإعادة انتاج القوى السياسية وتوزيعها على خريطة الحضور النيابي، إلا ان اللافت للانتباه والسمة الابرز لها ستكون المعركة في العاصمة وعلى الساحة البيروتية بالتحديد، ومدى حضور القيادات السنية الرئيسيّة ومشاركتها في ظل بروز الحديث الجدي عن انكفاء الرئيس سعد الحريري عن المشاركة فيها، وتمنّعه عن خوض غمارها فضلاً عن عزوف الرئيس تمام سلام شخصياً عن الترشح للنيابة، وتردّد النائب نهاد المشنوق في الإفصاح عن نيته. بالمقابل فان النائب فؤاد مخزومي يبدي رغبة جامحة في تبوّؤ صفوف المشاركين فيها، مع تبدل واضح وعلني في اعادة اصطفافه السياسي من خلال ابتعاده عن مسايرة “حزب الله”، بعد سنوات طويلة من الاكتفاء بالتصريحات الاقتصادية.

 

ويوحي المشهد على الساحة السنية البيروتية بتشتت وضبابية كبيرين، وتتوجس العائلات البيروتية من عدم وضوح الرؤية والتماس الموقف السعودي الذي لم يُظهر حتى تاريخه أية ملامح حول توجه المملكة إزاء الانتخابات النيابية المقبلة، ولا يظهر حجم الاهتمام ومقداره بالوضع اللبناني ككل. وان كانت مكالمة ولي العهد محمد بن سلمان لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي والتي تمت بواسطة فرنسية، أنهت قطيعة لكنها لم تخرج بما يؤشر الى تغيير في السياسة السعودية تجاه لبنان.

 

والى صورة المدينة الضبابية، لم يعد مسار الزعامة السنية في بيروت مساراً واضحاً، انسحاب سعد الحريري شبة مؤكد وفق العارفين، النائب تمام سلام لم تعد لديه رغبة ويعتقد ان الظروف لم تعد تصب في صالح متابعة عمله النيابي، وهو ميال لدعم الشباب واحتمال ترشيح احد ابنائه. اما نائب بيروت نهاد المشنوق ففي صدد حسم ترشيحه اواخر الشهر الجاري، اذا لم يترشح فسيكون خياره الآخر “افساح المجال امام لائحة شباب من المجتمع المدني لخوض تجربتهم اذا ما توحدت صفوفهم. ينتظر ماذا سيقرر هؤلاء ليبني عليه، يُدرك “انهم ليسوا صفاً واحداً ولكن لنعطهم الفرصة” وليختبروا النزول على الارض وعدم الاكتفاء بالشعارات، “خليهم يطحشوا، وليكن البند الاول تحرير القرار السياسي لان لا حلول تقنية للازمة اللبنانية”.

 

من سيمثل العاصمة بيروت اذاً، وقد غاب كبارها. اسماء لامعة لم تعد موجودة الا بالاسم. “رفيق الحريري لن يتكرر ولا نتعب انفسنا وبالتالي نحن امام زعامات مناطقية، وضع صيدا نيابياً لن يتغيّر رغم التقدّم الشعبي الذي حقّقه أسامة سعد بالتصاقه بالثورة والشباب وتميّزه عن “الحزب”. ووضع طرابلس صار بيد ميقاتي – كرامي، تفاهمهما يقرّر الحصة الحريرية”.

 

تعدّ بيروت “الامتحان الصعب والاكثر تأثيراً انتخابياً”، ولذا فان تجربتها يجب ان تخاض، وفق المشنوق، “بناس آخرين واذا قرروا عدم خوضها فلكل حادث حديث”.

 

للمشنوق رأي يقول: “إن وجه المدينة تغير حين مشى الحريري بقانون الانتخاب في العام 2018″، وزير الداخلية الأسبق الذي صوّت علناً ضد قانون الانتخاب في مجلس النوّاب يستنجد بكبار السنة ومقرريهم، ممن “يجب ان يتخذوا قراراً باستعادة التوازن في البلد من خلال عدم المشاركة في اي حكومة الا بعد ان يتضمن بيانها الوزاري الاستراتيجية الدفاعية”.

 

يسأل المشنوق ما الذي يحول دون ترشيح نواف سلام في بيروت؟

 

القصة باتت تتعدى الانتخابات الى تمثيل السنة في “بلد مواقعه السياسية السيادية شاغرة، رئاسة الجمهورية شاغرة بسبب الانحياز الاعمى للرئيس لتيّاره، ورئاسة الحكومة شاغرة منذ العام 2010 وتآكلت صلاحياتها ودورها الطبيعي، أسس لهذا “حزب الله” بطريقة تشكيل الحكومات، ثم ارتكبت خطيئة انتخاب عون وكانت النتيجة ما وصلنا اليه اليوم، بواسطة التحالف السابق برعاية “حزب الله” بين الحريري والتيار الوطني الحر”.

 

لا يرى نائب بيروت افقاً للحل إذ “لا يمكن اتخاذ قرارات عادية في ظل اوضاع استثنائية والحل يجب ان يكون حلاً سياسياً وليس تقنياً”. مستفيداً من تجربة “القوات” يقول: “القوات ليسوا اقل مسؤولية منا، مارسوا فترة ربط نزاع طويلة من دون التخلي عن المبدئية، وصولاً الى الاعتراض من خارج الحكومة، ثم عادوا الى سياسة المواجهة”، ولذا فالمشنوق “من دعاة التمرد والعصيان السياسي اي أن لا يشارك السنة ومعهم الأحرار من الطوائف الأخرى في اي حكومة لا يتضمن بيانها الوزاري الاستراتيجية الدفاعية، وأي كلام غير ذلك يعني ان النزاع سيستمر وستستمر علاقاتنا العربية على السوء”.

 

يتحدث المشنوق عن “محاولات مستمرة من بري لان يلعب دور المصحح لهذا المسار، انما وحده لا يقدر ولن يحمل على اكتافه عبء استرجاع رئاستي الجمهورية والحكومة”، ويقترح ان يأتي “الحل من قبل مجموعة تكون خليطاً بين القديم والجديد، وافكار مبتكرة”، قائلاً: “أعمل ولكن لا أدّعي اني بمفردي يمكن ان اخلق استثناء بل هو تضافر وجرأة وقلة من لديها روح المغامرة”. اما المطلوب من “حزب الله” في هذه المرحلة فهو “أن يتخلى عن دوره في المنطقة”.

 

متشائم المشنوق وتوقعاته تقول ان “الاقبال على الانتخاب سيكون خفيفاً مهما حاولوا والتغيير الجدي سيكون على الساحة المسيحية”، بدليل ان 60 بالمئة من المسجلين في الاغتراب هم مسيحيون وموارنة على وجه التحديد، مقابل 40 بالمئة من المسلمين، ولن يكون واقع الناخبين في بيروت مغايراً حيث من المتوقع ان ينتخب السياديون، المسيحيون تحديداً، ومن بينهم من تبقى من قلة قليلة من جمهور رفيق الحريري”.

 

النائب الذي كان اول من تحدث عن “الاحتلال الايراني للقرار السياسي اللبناني”، يقول: “نحن ايضاً لدينا مقدسات ولا نريد غير الحياة والازدهار والنجاح لآل سعود لانهم المعنيون والشرعيون لقيادة السعودية وازدهارها، وحفظوا العروبة والإسلام ليس في بلدهم فقط بل في كل مكان استطاعوا اليه سبيلاً وواجهوا التطرّف بالإعتدال نصاً وسياسة”. ولكن كيف لبلد كالسعودية ان تترك الطائفة السنية لقدرها وترفع عنها الغطاء في لبنان؟ سؤال جوابه مبرر لدى المشنوق “صبرت علينا السعودية من العام 2010 لليوم، وكل رؤساء الحكومات منذ تلك الفترة لم يتجرأوا ولا لحظة على ابداء اي اعتراض جدي وحاسم تجاه ما تتعرض له المملكة من اهانات وشتائم. جربت الدعم للقيادات السنية ولرئاسة الحكومة على مدى 10 سنوات والنتيجة صفر. ثم ارتكبنا خطيئة ميشال عون التي كنت شريكاً فيها”.

 

هل تخرج نتيجة الاتصالات الاقليمية والدولية بتسوية ما على الساحة اللبنانية؟ يقول المشنوق: “نشهد محاولة تسوية لن تنجح لسبب اساسي واستراتيجي لان ايران لن تعطي ادارة اميركية تمثيلها الشعبي في ادنى مستوى، بل وضعت “مسدّسها النووي” على طاولة المفاوضات، الموضوع الاقليمي سيأخذ وقتاً طويلاً وعودة اجتماعات السعودي والايراني ليست واردة لفترة طويلة”. في أسوأ الاحوال، يتابع المشنوق، “سيحصل تشتت ونكون امام زعامات مناطقية، إما مما تبقى من الحريرية السياسية واما ممن يعتقد انه سيحدث فرقاً”.

 

يؤكد المشنوق ان إرجاء الانتخابات “مستبعد” وقد يعرض لبنان لعقوبات اميركية واوروبية وربما عربية اكبر من قدرته على تحملها. ولذا فرهان الدولة على الانتخابات حاسم وغير خاضع للتغيير ولا للمناقشة، أما البرودة في التعاطي من قبل الاحزاب فطبيعي، لأن التجارب أظهرت أن قانون الانتخاب لم يكن يقر الا بفاصل ضيق عن موعد الانتخابات، وأن التحضيرات اللوجستية والتقنية لوزارة الداخلية لا تنتهي قبل ذلك بكثير، رغم أن كل النقاش الحاصل كان يجب ان يحصل قبل عام”.

 

ولكن ماذا عن الاتصال الفرنسي- السعودي من جدّة بالرئيس ميقاتي؟ لا يعطي المشنوق أهمية كبيرة للإتصال “الذي حصل من الهاتف الشخصي للرئيس الفرنسي، وهذا يوضح أن الأمور مرتّبة مسبقاً لأن تجرى المكالمة كما حصلت، لكن الموقف السياسي السعودي من العهد والحكومة اللبنانية لم يتغيّر”. يقول: “من يقرأ البيان السعودي-الفرنسي في نهاية الزيارة يجد أن النص اللبناني البالغ 147 كلمة هو دفتر شروط دولي – عربي للمسار الحكومي والسياسي المطلوب من القيادات اللبنانية، وهذا ما لا يستطيع أحد تحقيقه في ظلّ الاحتلال الايراني للقرار السياسي اللبناني. اذا كان هذا الاتصال الشكلي تمّ بعد حديث هاتفي بين الرئيس الفرنسي والرئيس الايراني وما تبعه من استقالة لوزير الاعلام، فإن تحقيق ما جاء في البيان المشترك يحتاج الى انقلاب في ميزان القوى يخلي المنطقة من التمدّد الايراني المسلّح. الحل الوحيد المتاح هو الاعتماد على النفس في مواجهة سياسية من أحرار لبنان وتشكيل عصب مستمر ومتنامٍ لعصيان سياسي، يعطّل كل محاولة للنيل من عروبة لبنان ويعيد التوازن الى العلاقة بين الرئاسات الثلاث الدستورية”.

 

ويختم قائلاً: “لقد رافقت رئيس الجمهورية في زيارته العربية الأولى الى السعودية وفي طريق العودة طلبني للجلوس الى جانبه في الطائرة وسألني عن رأيي في الزيارة. أجبته بأنها ليست زيارة بل إمتحان، أبلغ وزير الخارجية السعودي عادل الجبير زميله اللبناني جبران باسيل بمضمونه. بالطبع الفشل كان أكبر ممّا توقّعت، فكيف بدفتر الشروط الذي تضمّنه البيان المشترك؟”