«هذه طرابلس عدّوا لِلْعَشْرة» استوقفتني كثيراً هذه الجملة وسط سلسلة التهديدات والاتهامات الكبرى التي طالت وزير الداخليّة نهاد المشنوق والتي أطلقها وزير العدل السابق الجنرال أشرف ريفي، كانت نهاية أسبوع مزعجة جدّاً، «هذه طرابلس» في وجه من؟ بالتأكيد لا أظنّ أن الجنرال قد يُصدّق أنّه «اختصر» طرابلس لا بشخصه ولا بشخص مرافقه الذي اعترف بنفسه بارتكابه مخالفة مسلكيّة، في وجه من يضع اللواء ريفي طرابلس؟! وهل بات من الضروري أن تنقزَ بيروت من الاعتداء السّافر على نائبها وابنها الوزير نهاد المشنوق وأن تقول «هذه بيروت عدّ للعشرة»؟!
هذا الكلام «الدّبش» وهذه التُّهم الكبرى بغير دليل ولا بيّنة بحقّ وزير الداخليّة، لا يقبل العقل أن يكون مُبرّرها توقيف مرافق ريفي بسبب مخالفة مسلكيّة، خصوصاً وأن هذا الأمر لا يمتّ لسلامته الأمنيّة لا من قريب ولا من بعيد، إلا إذا أراد من سامعه أن يُصدّق أنّ أمنه الشخصيّ قائمٌ على هذا الرّجل، «أنتَ مشبوهٌ، ورمز للفساد، وللعمالة»، كلّ واحدة من هذه كفيلة بأن يُطرح تساؤلٌ ملحّ، أيّ سياسة هذه وأيّ منصبٍ هذا الذي جعل ما يقوله اللواء ريفي من مدرسة «نوائب» حزب الله وعتاولة تخوينه وكيله الاتهامات الباطلة للبنانيّين، الاتهامات التي أطلقها ريفي بحقّ نهاد المشنوق ينطبق عليها في ميزان التشريع القرآني قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [سورة الأحزاب: 58]، وفي التشريع النبوي الحديث الشريف: «إِذَا ذَكَرْتَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ «. قِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ «والبهتان أمرٌ عظيم عند الله ورسوله صلوات الله عليه، وفي ميزان السّلف الصّالح ورد في كتاب «التوبيخ والتنبيه» لأبي الشيخ الأصبهاني قال فضيل: «في آخر الزمان قوم بهَّاتون، عيَّابون، فاحذروهم؛ فإنهم أشرار الخلق»، أمّا في ميزان القانون فهي «جريمة» يُعاقب عليها القانون!!
أمّا سابقة «هَدْر الدمّ» التي تعرّض لها نهاد المشنوق فهي مشينة جداً وصادمٌ هو هذا الاتهام العلنيّ الباطل بأنّه «عذّب السجناء الإسلاميّين عذاباً ممنهجاً»، وهي على بهتانها العظيم استثمارٌ غير مسبوق في قضيّة الموقوفين الإسلاميّين ـ وللمفارقة أن اللواء ريفي شغل منصب وزير العدل لعاميْن ولم يفعل شيئاً لهؤلاء ـ وما على القارىء إلا مراجعة هذا الملفّ كاملاً بالعودة إلى تاريخي 23 و24 حزيران من العام 2015 إثر نشر فيديو تعذيب لسجناء إسلاميّين في المبنى «د» في سجن رومية، وهنا لا بُدّ من طرح سؤال واضح: هل نظف سجن رومية إلا على يد وزير الداخليّة نهاد المشنوق الذي يعتبر هذا الملفّ من إنجازاته الكبرى في الداخليّة، فبأيّ عينٍ يُحرّض على هدر دمه في هذا الملفّ؟!
كُنّا نتوقّع أن نسمع كلمة شكر لوزير الداخليّة بعد انقضاء مواسم الأعياد على خير، وعلى دوره في هذه الأيام المروّعة التي يتزعزع فيها أمن المنطقة، بين يديْ الرّجل قنبلة موقوتة هي «استقرار لبنان الداخلي»، والأيام المقبلة لن تكون سهلة أبداً، وكلّ مخاوفنا تتمركز حول امتداد الحريق إلى لبنان في لحظة الفوضى العارمة المحيطة بنا، فهل يدرك البعض حجم المسؤولية الملقاة على عاتق المشنوق، ومع هذا يصرّ على الاستهتار بدوره وحياته ودمائه؟!
لا نتوقّع أن ينجرّ الوزير المشنوق إلى هذه المعمعة ولا أن ينخرط في الخطاب الغوغائي، ومن يريد الاستثمار الانتخابي في طرابلس فعليه أن لا يخوض معارك وهميّة مع بيروت، وفوق هذا وذاك علينا تذكير النّاسين بأنّ من واجه جبروت الاحتلال السوري ووصايته بالنفي كان نهاد المشنوق الذي فرض النظام السوري عليه دفع ثمن باهظ لمواقفه المعارضة لوصاية آل اﻷسد وفرض يومها على الرئيس الراحل رفيق الحريري إبعاده تحت وطأة التهديد باغتياله جسدياً بتهمة العمالة لإسرائيل.
لا يختصر هذا البهتان العظيم الذي تعرّض له وزير الداخليّة خلال اليوميْن الماضيين إلا أبيات المعافى بن زكريا النهرواني: «ألا قلْ لمنْ باتَ لي حاسداً/ أتدري على مَنْ أَسَأتَ الأدبْ/ أسأتَ على الله في فِعله/ لأنّكَ لم ترضَ لي ما وَهَبْ/ فكانَ جَزاؤك أنْ زادني/ وَسَدَّ لَديك طريقَ الطَّلبْ»…