عِلم المنطق يقول إنَّ الإنسان لا يستطيع أن يتواجد في مكانين في آنٍ واحد. ربما وزير الداخلية الصديق نهاد المشنوق كَسَر قاعدة هذا المنطق، فلم يتواجَد في مكانين في آنٍ واحد فحسب، بل في ثلاثة أمكنة في آن واحد:
الوزارة والنيابة والصحافة.
والأحسن من ذلك كله أنه حين يكون في مكان فإنك لا تشعر بغيابه في المكان الآخر:
نهاد المشنوق الوزير، سجَّل نجاحاً باهراً. ففيما البلد يعيش مياوماً أي كل يوم بيومه، كان نهاد المشنوق الأجرأ والأصدق والأكثر شفافيةً في الرؤية، والدليل على ذلك أنّه كان يتطلَّع ستة أشهر إلى الأمام على أقل تعديل.
في مطلع هذه السنة، جزم الوزير المشنوق بالقول:
الإنتخابات البلدية والإختيارية ستجرى في موعدها حتماً، وإنني لست في وارد القبول بأيِّ تمديدٍ للإستحقاقات المقبلة، كما أنني بدأت الإعداد لإجراء الإنتخابات النيابية الفرعية في جزين في اليوم نفسه الذي ستجرى فيه الإنتخابات البلدية والإختيارية، بحيث تخصّص ثلاثة صناديق للإقتراع في كل قلم من أقلام دائرة جزين، واحد للبلدية وثانٍ للإختيارية وثالث للنيابية.
كان ذلك في 10 كانون الثاني الفائت. لم يصدِّق الناس ما يقرأون، إعتبروا أنَّ هذا الكلام هو من باب الإلهاء السياسي لحجب الأَنظار عن أزمة النفايات وعن الحراك المدني في الشارع.
شعر الوزير المشنوق بأنَّ هناك حملة تشكيك بكلامه وإصراره على إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية في موعدها، فاغتنم مناسبة ثانية، وكانت كذلك في الشهر الأول من هذه السنة ليجدد التأكيد أنَّ الإنتخابات البلدية والإختيارية ستجرى في موعدها في أيار.
***
أعدَّ العدة مع معاونيه في الوزارة، تعرَّض لحملةٍ شعواء إمتدت من المختارة إلى عكار وصولاً إلى البقاع، لكنه لم يأبه بل كان يجيب مَن يراجعونه:
لندَع الناس يحكمون على النتائج.
اليوم بعد انتهاء الإنتخابات البلدية والإختيارية والنيابية والفرعية في جزين، بإمكان الوزير نهاد المشنوق أن يقف ليقول:
ها قد أنجزتُ هذا الإستحقاق من دون ضربة كف.
***
ليس قليلاً أن ينجز الوزير المشنوق الإنتخابات الثلاثية الأبعاد، البلدية والإختيارية والفرعية، من دون ضربة كف، فهذا ما لم يحدث منذ العام 1992 أي منذ عودة صناديق الديمقراطية إلى الثقافة السياسية في لبنان.
***
هذا عن نهاد المشنوق الوزير، أما عن نهاد المشنوق النائب، فالجميع يتذكَّرون صولاته وجولاته في الجلسات النيابية العامة في مجلس النواب، فكان حين يتكلَّم تنقلب القاعة إلى صمتٍ مدوٍّ إلى حين انتهاء الكلمة.
***
أما نهاد المشنوق الصحافي أنه مُقِلٌّ هذه الأيام في الكتابة، لكن ما كتبه قبل أن تتراكم عليه المسؤوليات والإنشغالات والملفات يبقى محسوباً في خانة عيون الكلمة والصحافة.
في إحدى المرَّات، شاء الوزير المشنوق أن يُعطي رأيه في ما يُكتَب من سِيَرٍ عن الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وفي معرض إعطاء الرأي أحبَّ أن يُدلي بشيء قليل جداً مما يعرفه، فكتب يقول:
تبقى سيرته اللبنانية. ما إن أرى أمامي ما يذكّرني ببعضها حتى أصاب بالمرض أو بالقهر، فمن يريد لنفسه هذا الشعور؟
هل أكتب عن الذي طلب مني الرئيس الحريري طرده من منزله في باريس فرجوته وقبّلت رأسه أن يستقبله لدقيقة واقفاً وأنا أتعهّد بتوديعه. فإذا به يصبح بعد سنوات واحداً من أسياد القول والفعل؟
***
معالي الوزير الصديق.
ليتَكَ تُكمِل الكتابة.