في أيلول من العام 2007، أي قبل أكثر من شهرين على موعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود الممددة، وكان البلد قد دخل في خضم المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولكن لم يكن أحدٌ يعرف أنَّ المدة ستطول حتى أيار 2008 وأنّه ستسبقها أحداث 7 أيار التي أوصلت إلى مؤتمر الدوحة، في ذلك التاريخ، وجَّه الكاتب السياسي نهاد المشنوق رسالة مفتوحة إلى النائب وليد جنبلاط تحت عنوان رسالة إلى وليد بك، إذا ما استُعيد مضمون هذه الرسالة، فإنَّ نهاد المشنوق كان فيها رؤيوياً لأنه كان يرسم الواقع اللبناني بأفضل ريشة ممكنة.
يقول نهاد المشنوق في رسالته، مخاطباً وليد بك:
تخصصت في الإشتباكات الكلامية السياسية، حتى صرت رمزاً لها:لا ينافسك أحد على منبرها، فقضيت على من قضيت وفعلت العجب فيمن أردت له أن يشكو العجب. ووصلت إلى ما تريد:
طليعة قوى سياسية مركّبة، لم يخطر ببال أحد إمكان لقائها على حالة واحدة. فإذا بالبيان الختامي لكل اجتماع يسجل لك الإستمرار في تجانس بين متناقضين وتعايش بين متنافرين.
بعد هذا التوصيف، يدخل نهاد المشنوق في الموضوع فيقول:
ما هو مطروح على طاولة البحث اليوم ليس تسوية تتنازل فيها جهة لتحقِّق جهة أخرى أرباحاً.
ما هو معروض ومتاح هو صيانة للهدنة المرتبكة التي نعيشها عبر رئيس للجمهورية يُتَّفق على انتخابه بين الأكثرية والمعارضة. وهذا أمر طبيعي لاستمرار الهدنة وإلا فسنعرض ما بين أيدينا من إنجازات الى خطرٍ أكيد.
ما أشبه اليوم بالبارحة، وكأن ما كتبه الوزير نهاد المشنوق منذ تسعة أعوام يصلح لأن يشكِّل اليوم خارطة طريق للسياسيين إذا ما أرادوا الخلاص من هذه المعضلة التي هُم فيها.
في الكتاب ذاته، يجدد المشنوق مخاطبة وليد جنبلاط فيكتب:
النجاح هو الثأر الحقيقي يا وليد بك، لذلك ونحن جمهور رفيق الحريري، المساهِم في ما وصلنا إليه وما تحقق، نرى أنَّ لنا عليك مرة أخرى صيانة هدنتنا. لا سياسة ولا مبادرة من دون مساهمتك ولا حفظ للصيغة اللبنانية التي تحب ونحب إلا بما ترى من حسن إدارة لهدنة لا يجوز أن نستعجل نهايتها، فلا مرشح من غير الملتزمين بالطائف ولا رئيس خارج الوفاق.
هذا هو نهاد المشنوق:
كِبَر، أدب سياسي، تقديرٌ لأَحجام الآخرين، فما هو مطلوبٌ منه أكثر؟
نهاد المشنوق اليوم سيُكتب في سجله أنّه من الوزراء النادرين في نجاحاتهم رغم الظروف ورغم الحملات ورغم التجنِّي، ربما هذا هو قدر الناجحين، وأكثر من ذلك، المتفوقين.