IMLebanon

نهاد المشنوق ولبنان: «الآتي أعظم»

لا يُطلق وزير الداخليّة نهاد المشنوق الكلام جزافاً، فالرّجل منذ ما قبل الوزارة سياسيّ محلّلٌ وقارئٌ للأحداث بحذافيرها، يتعاطى مع الواقع بمنطق يستقرأ الأحداث، أو يستنطقها، لذا نتعاطى بجديّة حقيقيّة مع ما يصدر عنه في المشهد السياسي اللبناني والعربي، لذا نصنّف ما ورد في حديث الوزير نهاد المشنوق لقناة «سكاي نيوز»، بأنه كـ»قرع أجراس الكنائس» في قرى لبنان منذرةً بخطر داهم، أو كارتفاع أصوات التكبير عبر المآذن في الاحياء في مواجهة حدثٍ عظيم، ونحن هنا لا نُبالغ في توصيف ما قاله المشنوق: «ما هو قادم هو أعظم في كل مكان تجري فيه الحرائق الآن(…) وأنا مسؤول عن كلامي»، و»أنا مسؤول عن كلامي» هذه علينا أن نضع تحتها خطوطاً حمراءَ كثيرة، وبصرف النّظر عن «غباء» من اعتبر أنّ كلام المشنوق «للتغطية» على «التمديد للمجلس النيابي»، ربما علينا إعادة رسم «خارطة» الأحداث التي استشعرها المشنوق وحذّر منها، على طريقة الشاعر: «أَلا كُلُّ ما هُوَ آتٍ قَريبُ»، وتأتي أهمية قراءته وتحذيره من «الآتي الأعظم» الزاحف على لبنان والمنطقة «من الآن وحتى عام»، بأن الرّجل قالها بوصفه نهاد المشنوق، لا بوصفه نائب بيروت في تيار المستقبل، أو وزير الداخليّة»…

وفي السياق، لا بُدّ لنا من التذكير هنا بالمقالة التي نشرها الوزير نهاد المشنوق في أواخر تشرين الأول العام 2013 تحت عنوان «أهل السنّة والالتباس» تحدّث فيها «عن التباس سياسي وشخصي وحتى إنساني غير مسبوق عند أهل السنّة من اللبنانيين»؛ لم يكن المشهد السُنّي مأزوماً يوماً كما هو عليه الآن، والرّجل يومها «استشرف» المشهد من قبل تورّط البعض مع «جبهة النصرة» و»داعش» ومحاولة خلق «موقع جغرافي» لهما داخل الكيان اللبناني، لذا نعتبر أن توصيف المشنوق للمشهد الحالي في المنطقة هو شديد الجديّة، وأنّه بمثابة إنذار للداخل اللبناني «علّنا» نفلتُ من قبضة الخطر الداهم…

»هناك مخاطر أمنية كبرى قادمة أكثر وأكثر على المنطقة وعلى لبنان ربما من الآن وحتى سنة، والدليل ما حدث في الموصل وفي العراق، أنا قلت كلاماً قبل الموصل، عندما تحدثت عن الأسباب الأمنية وقلت لا يجوز إجراء الانتخابات في موعدها لم يكن هناك «داعش» ولم تكن صورة ذبح الناس موجودة على التلفزيونات»، وموضوع التمديد للمجلس النيابي بات وراءنا، ونشكّ كثيراً أن يشهد لبنان «انتخابات نيابيّة» في أفق عاميْن على الأقل، ونملك من الجرأة ما يجعلنا نقول إن مشهد تدارس مشاريع القوانين الانتخابيّة، لن يُسفر إلا عن البقاء تحت سقف قانون الستين ليس إلا، هذا إن استطاع لبنان أن ينتخب رئيساً للجمهورية خلال بضعة أشهر…

وبعيداً عن قانون الانتخابات، والفراغ الرئاسي، وملف العسكريين الرهائن، وملفّ تطبيق «الخطّة الأمنية» بقاعاً ـ ونميل إلى الاعتقاد أنها ستمنى بفشلٍ ذريع فتاريخ تلك المنطقة «التجاهل وغضّ النظر»، وأنّ خطّة البقاع ليست إلا «تنفيسة» لغضبٍ شديد من حال عجزٍ لا تطبّق القانون إلا على مناطق وطوائف بعينها، فيما هي أعجز من أن تلقي القبض على مرتكبي مجزرة آل الفخري في «بتدعي»، بعيداً عن كلّ الملفّات الداخليّة، ثمّة خطران كبيران يتهدّدان المشهد اللبناني والعربي، الأول «نهاية التفاوض النووي» الإيراني ـ الدولي، والذي منذ البداية لم نجد فيه إلا لعبة كسب إيراني للوقت، والخطر الثاني المرحلة الجديدة التي دخلتها المحكمة الدوليّة والتي بدأت تُرخي بثقلها على المشهد اللبناني…

نهاد المشنوق استطاع أن يختصر «اللحظة الإقليميّة» ببضع جمل: «المسألة مدى تأثير الصراع في العراق على الجمهور اللبناني، وعلى تفكيره وعلى عقله، لبنان وسوريا والعراق في هذا المعنى مُنفتحين على بعضهم بنسبة مقدرتهم على افتعال المشاكل وليس على اجتراح الحلول، يجب أن يكون هذا الأمر واضحاً، ففي لبنان تنظيمات تعتبر ما يجري في سوريا هو مسألة وجودية بالنسبة لها، تعتبر ما يجري في العراق هو مسألة بالنسبة لها مثل الحياة والموت»، هذه هي اللحظة المقلقة التي تجعلنا ندور في دوّامة المنطقة و»تقسيمها» و»الصراع المذهبي والعرقي»، مع ملاحظة «دقّة» اعتبار المشنوق أننا «عندما نصل إلى وقت أن «حزب الله» هو الذي يحمي لبنان من «داعش» نكون نستدرج تطرفين متقابلين»، وللمناسبة نحن قد وصلنا إلى هذه «المعادلة» على الأقل على مستوى «مونولوغ الصباح والمساء» الذي يُصدّعنا به حزب الله بأن ذهابه إلى سوريا حمى لبنان من «داعش»؛ وإذا أضفنا إشارة المشنوق إلى أن إيران هي اليوم «بالتأكيد أضعف والدليل العراق الذي كان منطقة نفوذ إيرانية مئة في المئة الآن هناك شريك أميركي كبير وجدي ومُقرر للمرة الأولى»، ندرك أنّ «الآتي أعظم» ومخيف، وأن لبنان لن يكون بمنأى أبداً عن لحظة «الجنون الدمويّة» التي ستجتاح المنطقة، الوزير نهاد المشنوق بهدوء متواضع أرخى على قراءته للمشهد حُجُبَ بأنّه: «لا أدّعي أني أعرف أكثر من غيري، لكن واضح إننا لم نشهد بعد العاصفة التي تسبق الهدوء»، فإننا أمام هذه المخاوف نرجو الله سبحانه أن يعامل لبنان بلُطْفِهِ الخفيّ والظاهر»، ولا يسعنا إلا التمثّل ببيْتين لأبي العتاهيَة: «ولعلَّ ما تخشاهُ ليسَ بكائنٍ/ ولعلَّ ما ترجوه سوفَ يكونُ/ ولعلَّ ما هوّنتَ ليس بهيِّنٍ/ ولعلَّ ما شدّدتَ سوفَ يهونُ».