خسارة لبنان بغياب شخصية فنية مميزة وفريدة في ملامحها مثل الفنان الكبير الراحل نهاد طربيه هي خسارة لا تعوّض. ولا نعني هنا لبنان الثقافي والفني وحسب، وانما أيضا لبنان الوطن. وهو جمع في شخصيته بين الفنان الراقي والانسان الراقي في شكل يدمج بينهما ولا يمكن فصل احداهما عن الأخرى. وهو كفنان تمتّع بموهبة الصوت الجبلي الأشمّ والرخيم والمتمكّن في الاداء على مختلف الطبقات، كان حريصا على احترام سامعيه ومشاهديه ورسالته الفنية في اختيار كلمات أغنياته وألحانها ومضمونها بما يتناغم مع رقي الرسالة الفنية دون ابتذال أو إسفاف طلبا للشهرة السريعة. وهو كفنان نشر الفرح والأمل والسعادة في قضاء أفقه اللبناني والعربي. وهو كانسان عرف بأخلاقه العالية بقلب محبّ لا يعرف الحقد والحسد والبغضاء، ويفرح لنجاحات الآخرين، بقلب فيه الكثير من براءة الطفولة، والكثير الكثير من النضج الفني والانساني… ولذلك كانت الصدمة كبيرة وعميقة من غيابه المفاجئ، وقبل أن يكمل مسيرة عطائه، لدى الجمهور الواسع من محبّي فنّه وموهبته، وكانت الصدمة أشدّ لدى كل من عرفه عن قرب وتقاطعت لديهم مسيرة الحياة مع مسيرته.
نشأ نهاد طربيه في بيت فاضل متعلق بالقيم التراثية للبيت اللبناني في الجبل، ويقدر بصفة خاصة أهمية الكلمة في الأدب والشعر والتخاطب، وكان والده الراحل يتمتّع بالموهبة الشعرية، وأنشأ الوالدان أبناءهم على مبادئ الأخلاق والمحبّة والوفاء وكل القيم في بيئتهم الروحية. وهي الصفات نفسها التي طبّقها الراحل الفنان الكبير نهاد طربيه مع الناس جميعا الذين عرفهم، ومع عائلته، ولا سيما مع شقيقه الذي يفضّل كثيرون بمخاطبته بالشيخ نسيب، وشقيقته الاعلامية الزميلة الفاضلة السيدة أندريه. وقد وقفا معا الى جانب شقيقهما نهاد بكل ما أوتيا من محبّة وقوّة وعزم، وكان لهما الأثر المَلموس في نجاحه في مسيرته الانسانية والفنية.
وعلى الصعيد الشخصي، وقد تقاطع مسار الحياة بيننا في باريس ولبنان، وجمعت بيننا صداقة عائلية طويلة، لم أظنّ يوما ان هذا الصديق الوفي سيطمرني بهذا الطوفان من الحزن بغيابه. خالص المواساة والعزاء لعائلة الفقيد الكبير، وللأسرة الفنية وللبنان. وأقل ما ينتظره المرء ان تكرّم الدولة هذا الفنان الكبير بوسام يستحقه عن جدارة.