IMLebanon

تسع سنوات على اغتيال تويني.. و «العدالة» تسير

 

«ما راح يكون في حرب أهلية بعد اليوم بلبنان ولذلك بتمنى عليكن تعيدوا ورايي وتقولوا قسم جديد نقسم بالله العظيم مسلمين ومسيحيين أن نبقى موحّدين الى أبد الآبدين دفاعا عن لبنان العظيم». هذا هو قسم الشهيد جبران تويني الذي تحوّل أيقونة على صدر كل لبناني مخلص للبنانيته منذ 12 كانون الأول 2005. الذكرى التاسعة لاستشهاد صاحب الكلمة الحرة والإطلالات الصريحة والمواقف الصارمة والجريئة، تحلّ في وقت يتابع خاله النائب مروان حمادة تقديم إفادته في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري معرّيا أعداء لبنان وأبرزهم رأس النظام السوري وأتباعه في لبنان.

لم يكن جبران تويني يخشى الموت.. لا بل كان يتلاعب به منذ العام 1990، فكان أكثر جرأة منه ليتحدّاه بعنفوان وعزّة. لم يملّ جبران من القضية اللبنانية، فهو ابنها وأحد رموزها الخالدة، وتجربته مع قضية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية التي حملها معه الى كل المنابر أسطع دليل. «نعم المقابر الجماعية جريمة ضد الانسانية» آخر مقالة كتبها جبران حول المقبرة الجماعية التي اكتُشفت في عنجر قرب مراكز الجيش السوري السابقة، كشفت الظلم الذي لحق باللبنانيين. تماما كما يروي خاله اليوم خفايا عدائية النظام السوري وحلفائه في لبنان.

«الديك» الذي اغتيل في وضح «النهار» شرّع صفحات جريدته لأهالي المعتقلين في السجون السورية، وكان محرّكا للمعارضة وظهيرها في زمن الاحتلال السوري. وعلى طريقة الصحافة المناضلة، طبعت في «النهار» الآلاف من المنشورات التي تدعو الى المقاطعة وإعلان «لا» في وجه الاحتلال السوري. جبران تويني كان ظهيرا لاهالي الجنوب ومعاناتهم وبعد انسحاب الاحتلال الاسرائيلي عام 2000، وعمل مع فريق عمل بقصد معالجة قضية من نزحوا الى اسرائيل وإعادتهم الى لبنان من خلال التعاون مع الهيئات الحكومية والمدنية المعنية. ونجح في تحقيق جزء من هذا الهدف، لكن التهديدات والتدخلات كانت اكبر من الارادة الطيبة في العمل الخيّر والنيات الصادقة لدى القائمين على هذه القضية.

جبران تويني كان ظهيرا وسندا للمعارضة السورية ايمانا منه بأن لبنان لن يتعافى ويرتاح ما دام النظام الأسدي يقيم في جواره ويتآمر عليه.

وبانتظار ما ستتوصل إليه أحكام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، فإنه ليس خافيا على أحد أن جريمة اغتيال جبران تويني تأخذ منحى غير المنحى السياسي والإطار التحرري الذي أراد جبران أن يأسر لبنان فيه. والحقيقة أن اغتيال جبران يأتي ضمن سلسلة الجرائم السياسية التي استهدفت لبنان في العام 2005 وكان آخرها في العام الماضي، فمؤشرات الحقيقة في جريمة اغتيال جبران بدأت تظهر منذ عامين تقريبا عندما كشفت قناة «العربية» عن وثائق تشير بشكل غير مباشر الى ان اغتيال جبران تويني تم بقرار من المخابرات العسكرية السورية بأمر من آصف شوكت وبتنفيذ مشترك منها ومن أمن «حزب الله».

تسعة أعوام بلا جبران تويني. مرت كلمحة البصر، سهل أن يتذكّرها البعض، صعب وقع أيامها ولياليها على المقرّبين. فالعائلة والأبناء لا يعتادون على الغياب، بعض الذكريات الجميلة لا يمكن نسيانها. صحيح أن الحياة تستمر، لكنّها وبالنسبة الى كثيرين توقّفت.. هم من قراء جريدة «النهار« والمجلة الاسبوعية التي كانت تصدر عنها في الثمانينيات «النهار العربي والدولي«.. توقفت حياة صاحب فكرة ملحق «نهار الشباب«، الذي أسّس في التسعينيات بين شباب لبنان لمنطق الحرية والرأي المختلف ومواجهة الوصاية، والتعرف إلى الآخر في لبنان بعد الحرب الأهلية.

وكانت للشهيد جبران تويني مبادرات عدة، فقد فتح المجال امام الشباب للعمل على الأرض، وصنع استراتيجيا اللحظة التاريخية كما كان في لقاء «قرنة شهوان« وفي «لقاء البريستول« الاستقلالي، وكان نائباً عن قوى 14 آذار في المجلس النيابي بعدما صنع مع غيره «انتفاضة الاستقلال«. حمل عبء الوطن في كثير من اللحظات السود، من يوم عودته إلى لبنان، والبدء بتطوير عمل جريدة «النهار« إلى جانب والده غسان تويني، وتأسيساً لابنتيه نايلة وميشيل من بعده كما مع زوجته سهام والصغيرتين اللتين لا تتذكران والدهما إلاّ من صوره في البيت.

إلى جانب جبران، استشهد اندره مراد ونقولا فلوطي، ابنا «النهار« المؤسسة التي رسمت منذ 80 عاماً صورة بيروت الجديدة والمختلفة في العالم العربي. كانا معه حتى اللحظة الأخيرة بعد عودته من السفر على الرغم من أنه كان مهدداً بالقتل، فموته لم يكن مصادفة.