IMLebanon

لا جواب عن سؤال “من أين لكم هذا؟” الفساد أزمة أخلاق سياسية لا أزمة قوانين

لم يعد معقولاً ولا مقبولاً أن يستمر تبادل الاتهامات بالسرقة واختلاس المال العام من دون أن يعرف الناس من هو السارق الحقيقي، وبات لا بدّ من التوصل الى جواب الذين اثروا إثراء غير مشروع عن سؤال: من أين لكم هذا؟ وهو جواب لم يسمعه الناس في أي عهد ومنذ العام 1943. فكل عهد كان يتهم من سبقه بالفساد والافساد ولا يعرف الناس الحقيقة سوى سماعهم تبادل الاتهامات ورؤية لافتات ترفع في التظاهرات مندّدة بالفساد والفاسدين، ثم يعود الهدوء ومعه النسيان وكأن شيئاً لم يكن.

لقد توصل نواب في الماضي الى كشف الفاسدين والمرتشين والمختلسين من خلال استجوابات كانوا يوجهونها الى الحكومة، أو من خلال لجان تحقيق يشكلونها أو من خلال مراجعة القضاء. وقد تم التوصل من خلال كل هذه الوسائل الى محاسبة بعض الفاسدين والمختلسين، لكن من يومها الى الآن لا تقدم نواب باستجواب يطالبون فيه بمحاسبة الفاسدين ويكون مقروناً بالأدلة والاثباتات، ولا طالبوا بتشكيل لجان تحقيق برلمانية لمعرفة الحقيقة ولا حركوا القضاء لملاحقتهم بل ظل الأمر يقتصر على تبادل الاتهامات والتشابك بالأيدي كما حصل في جلسة لجنة الاشغال الأخيرة ولم يعرف الناس وهم يشاهدون ذلك على شاشات التلفزيون ويسمعون الشتائم من هو المرتكب.

يذكر الناس أن العميد ريمون إده رحمه الله كان من النواب القلائل الذين كانوا يعدون ملفاً كاملاً فيه كل المستندات والأدلة والمستمسكات التي تدين من يتهمهم بالفساد، ويكشف ما في هذا الملف في مجلس النواب وأمام الرأي العام، ولا يكف عن ملاحقة الفاسدين الى أن يصدر حكم بهم وكان يتجنب اتهام أي شخص بالسرقة من دون دليل، ولم يكن يسمح لنفسه باتهام أحد بالتصريحات وباطلاق الاتهامات جزافاً كما هو حاصل اليوم، بحيث يضيع الناس ولا يعرفون الحقيقة، وتكون النتيجة أن لبنان يصوّر للخارج أنه بلد فاسد، وكل من فيه وما فيه فاسدون والدولة فيه هي دولة سماسرة وصفقات، تجعل المستثمرين يهربون منه أو يهرّبون أموالهم عند اعطاء هذه الصورة البشعة والسيئة عن لبنان فعسى الا يبقى كذلك في عهد مقبل.

الواقع أن أياً من نواب اليوم تقدم باستجواب حول موضوع الفساد ولاحقه، بل اكتفى بتقديمه وكأنه بذلك يبرئ ذمته أمام الناس. وما من نائب يتكلم على الفساد، ويسمي أحياناً الفاسدين، طلب تشكيل لجنة تحقيق برلمانية لمعرفة الحقيقة، ولا وضع بين أيدي القضاء الأدلة والقرائن التي تثبت اتهاماته بل اقتصرت مكافحة الفساد على الكلام العشوائي وعلى الاتهامات المتبادلة وعلى لافتات ترفع في التظاهرات.

لعميد “النهار” غسان تويني افتتاحية قال فيها: “إن النظام الديموقراطي يفسح في المجال لفضح الفساد ومعالجته بينما يبقى الفساد متخفياً في ظل النظام التوتاليتاري ولا يفتضح أمره إلا بعد انهيار النظام أو سقوط الطاغية الذي يجسده”، وقد علق الوزير سابقاً فؤاد بطرس على ذلك في حينه بالقول في مقال له: إن الاستاذ غسان تويني أصاب في افتتاحيته ولكن اضيف الى حقيقة ما قاله حقيقة ثابتة وهي أن النظام الديموقراطي يحكم على نفسه بالاعدام ان لم يحرك ساكناً حيال فساد مفضوح أمره. فهل ترغب الدولة، وهل تستطيع أن تتحرك بعيداً عن الهزل والتمويه؟ إن هذا ما ينشده المواطنون الشرفاء الذين لا سبب لديهم ليخافوا من العدالة وان كانوا أحياناً يخافون عليها”.

عسى أن يكون ما يحصل اليوم وإن متأخراً هو وخز مفاجئ للضمير او تزمت في الاخلاق لا بل أزمة اخلاق تضع العدالة في مواجهة الفساد أو الفساد في مواجهة العدالة…