قبل ايام على تجدّد الحديث عن تشكيل لجنة لتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وأخرى لمجلس الشيوخ تنفيذاً لقرارات «ثلاثية الحوار» فُتح النقاش حول دستورية الخطوة. فسُجّل إجماع على استحالة تشكيل الهيئة قبل انتخاب رئيسٍ للجمهورية وتشكيل مجلسِ الشيوخ قبل تأليفها وانتخاب أوّل مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي. فكيف يمكن إثبات هذه المعادلة؟ وإستناداً الى أيّ مواد دستورية؟
قبل أيام على موعد الخامس من أيلول، موعد انعقاد هيئة الحوار الوطني للبحث في ما انتهت اليه «ثلاثية الحوار»، وخصوصاً على مستوى تسمية مندوبي أطرافها مَن يمثلهم لتشكيل لجنة للبحث في تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وأخرى للبحث في نظام مجلس الشيوخ، عبر بعض الأطراف عن رفضه الفكرة قبل انتخاب رئيس للجمهورية.
وتقول هذه الأطراف استناداً الى مواد دستورية واضحة إنه لا يمكن الإقدام على الخطوتين قبل انتخاب الرئيس، عدا عن شروط أخرى ستحول دون تشكيلهما لدوافع وجيهة ما قد يؤدي الى عدم خروج الهيئة بنتيجة حاسمة في هذا الإطار وتأجيل الخطوة الى وقت لاحق.
وتقول المصادر إنّ تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية منوط بمضمون المادة 95 من الدستور التي نصت عليها وفق القانون الدستوري الصادر في 21 ايلول 1990 والتي تنصّ أنه «على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءآت الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية تضم، بالإضافة الى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء، شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية».
وتلفت المادة إلى أنّ مهمة الهيئة «درس واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها الى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية». كذلك نصّت على «مرحلة انتقالية» تقول أولى بنودها «بوجوب تمثيل الطوائف بعدالة في تشكيل الحكومة» وثانيها على «إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الإختصاص والكفاية في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى أو ما يعادلها وتكون مناصفة بين المسيحيين والمسلمين من دون تخصيص أيّ وظيفة لأيّ طائفة مع التقيّد بمبدأي الإختصاص والكفاية».
وبناءً على ما تقدّم، وجَب على هيئة الحوار وأيّ طرف لبناني البحث في موضوع الهيئة قبل استكمال هذه الخطوات التي نصّت عليها المرحلة الإنتقالية والتي لم تخطُ الدولة حتى اليوم أيّ خطوة في اتجاهها سوى ما إختارته قوى الأمر الواقع منها وفرضت تنفيذه في ظروف سياسية وأمنية قاهرة أنتجت خللاً فاضحاً في بعض المجالات.
وعليه، فبالنسبة الى مجلس الشيوخ – تعتبر المصادر عينها – أنّ من المستحيل البحث في مصيره قبل اكتمال عقد الإجراءات القانونية والدستورية الواجب اتخاذها لتشكيله في مرحلة لاحقة وذلك بسبب الآلية التي نصّت عليها المادة 22 من الدستور والتي قالت بحرفيّتها: «مع انتخاب أوّل مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يُستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية».
لذلك فإنّ البحث في هذا الموضوع من اليوم يمكن أن يشكل استباقاً لخطوات لم تُتخذ بعد وما الذي يضمن السير بها في حال اختلفت موازين القوى أو طرأت تغييرات تجعل أيّ اتفاق من اليوم بلا ذي معنى.
وبناءً على ما تقدم، تؤكد المصادر استحالة البحث في الهيئة والمجلس قبل تحقيق الخطوات التي سبق الحديث عنها، في وقت لم ترَ أيٌّ منها النور الى اليوم، عدا عن الترابط القائم بين القضيتين وتشابك الآلية التي تقود اليهما.
وبذلك، يكون واضحاً استحالة تشكيل المجلس قبل تشكيل الهيئة التي تتعذّر ولادتها في غياب رئيس الجمهورية الذي يرأسها واستحالة تشكيلها قبل انتخاب المجلس على أساس وطني. وهو ما سيدفع بعض القوى الى الدعوة لتأجيل الحديث عن هذين الموضوعين والإستنكاف عن تسمية مَن يمثله في اللجنتين.
ولهذه الأسباب الدستورية والسياسية الوجيهة التي تحول دون الخطوتين، هناك مَن يعتقد أنّ هيئة الحوار القائمة اليوم ليست هيئة تقريرية وليست بديلاً من أيٍّ من المؤسسات التنفيذية والتشريعية، وأنّ التفاهمات التي نسجت فيها منذ سنوات لم ترَ النور بمجرد تغيير موازين القوى.
وعليه تتوقع المصادر مزيداً من التجاذبات في الإجتماع المقبل للهيئة إن التأمت. وإذا أصرّ أصحاب نظرية تشكيل الهيئتين، سيكون عليهم إقناع الطرف الآخر بعدم صحة نظرياتهم وهي مهمة صعبة لا بل مستحيلة.
فأصحاب النظرية الأخرى متسلّحون بنصوص ومواد دستورية واضحة لا تحتمل أيّ تفسير مغاير. والى أن يأتي أوان البحث فيها،هل تصحّ عندها نظرية «طالب الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه؟» وتتبخر الأماني المعقودة على اجتماع هيئة الحوار؟