بلوغ حركة “فتح” مرحلة الكهولة، أو “الختيَرة” كما يقال بالعامية، وإصابتُها بترهُّل تعددت مظاهره بحيث صار همّ قسم مهم من قيادييها محصوراً بـ”الرتبة والراتب”، وبحيث صار للجهات الإقليمية سواء صاحبة التوجهات السياسية المناقضة لخط “فتح” أو القريبة منه نفوذ داخلها. بلوغ هذه المرحلة كان أحد ابرز ثلاثة أسباب لاستعجال المنظمات الإسلامية الأصولية المتطرفة جداً داخل المخيمات، وفي مقدمها “عين الحلوة”، الاشتباك معها (أي “فتح”). إذ عزز ذلك اقتناعها بقدرتها على تحقيق انتصار على الفتحاويين رغم تناقضهم وانقساماتهم. والسبب البارز الثاني كان تفاقم حدّة الحرب العسكرية الدائرة في العراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر، والحرب السياسية الشاملة العالم العربي كله بل العالم الأوسع بين الإسلاميين المتطرفين حتى التكفير والعنف بكل أشكاله وأبشعها وشعوب وأنظمة عربية عدة تحظى بمساندة فعلية سياسية وعسكرية وأمنية وحتى عالمية من غالبية الدول الكبرى في العالم بل من المجتمع الدولي كله. وفي حرب كهذه لا يستطيع الإسلاميون الفلسطينيون في لبنان، كما الإسلاميون اللبنانيون، الامتناع عن الاشتراك فيها كل بحسب إمكاناته وظروفه، أولاً لأن ذلك فرض جهاد ديني وشرعي، وثانياً لأنهم جزء من هذه “الحركة الإسلامية العنفية” الشاملة والشمولية، ولا يستطيعون تالياً تجاهل توجيهات قياداتها الذين هم على اتصال شبه يومي بها. أما السبب البارز الثالث، واستناداً إلى القريب جداً نفسه من “حماس”، فهو شمول الحرب الدولية، على ما يعتبره عرب ومسلمون وأنظمة عربية ومجتمع دولي إرهاباً إسلامياً متطرفاً صار خطره كبيراً على العالم كله، الأشخاص والمنظمات والتيارات الإسلامية الفلسطينية الجهادية المتطرفة جداً التي هي جزء من التيارات التي خضّت المنطقة والعالم مثل “القاعدة” سابقاً و”داعش” حالياً ومعهما “جبهة النصرة” وفصائل كثيرة أخرى. والحرب عليها تهدف إلى أمرين: الأول وقف كل عون أو مساعدة يوفرها فلسطينيو لبنان من “الجهاديين” لإخوانهم في سوريا والعراق وخارجهما مثل تقديم المعلومات وتهريب الأسلحة والمقاتلين بعد تدريبهم في المخيمات، كما مثل توفير الحماية والرعاية والملجأ للفارّين منهم من وجه “العدالة” اللبنانية والعربية والدولية. والثاني منع هؤلاء من تحويل لبنان من ساحة نصرة إلى ساحة جهاد مباشر. وذلك ممكن إذا سيطروا على أخصامهم في المخيمات وأكبرها “عين الحلوة” بالقوة، وإذا نجحوا في تحييد إسلامييها ولكن غير المتشدِّدين مثلهم في أثناء السيطرة. ومن شأن ذلك أن يهدِّد بتحوُّل هؤلاء قوة قادرة على زيادة عدم استقرار لبنان، وعلى مفاقمة الصراع المذهبي بين مسلميه بل على تحويله حرباً طاحنة مدمِّرة للجميع.
لذلك كله، يضيف القريب جداً نفسه من “حماس”، تكوّن شعور غير بعيد من الحقيقة عند المنظمات الإسلامية المتشدِّدة جداً في المخيمات أن هناك رصداً متنوعاً لحركتهم داخلها كما خارجها. فقوات الطوارئ الدولية في الجنوب “تتنصّت” عليهم في رأيهم، والأجهزة الأمنية والعسكرية تتابعهم بدقّة وفاعلية بمساعدة جدية ويومية من أجهزة استخبارات عربية وإقليمية ودولية وأميركية. كما أن سفارة فلسطين في بيروت التابعة لسلطة الرئيس محمود عباس بالقيّمين عليها، ومع ضبّاط أمن جدد وصلوا إليها من “فلسطين” متخصصين في مكافحة الإرهاب، لها دور في متابعتهم ورصدهم وتقديم المعلومات عنهم. ومن شأن ذلك كله دفع المتشدِّدين إلى حماية أنفسهم بالدفاع ولاحقاُ بالانتقال إلى الهجوم. فهل حان وقت الهجوم، أي وقت الانفجار في “عين الحلوة” وغيره من المخيمات؟
تؤكد “حماس” أنه لن يحصل، استناداً إلى القريب جداً نفسه منها، لأنها تعمل على ذلك وهي “ليست حبّتين” فلسطينياً رغم عدم تأسيسها تنظيماً عسكرياً في لبنان، ولأن التيارات الإسلامية المتطرفة والأكثر تطرُّفاً تحسب لها ألف حساب، ولأن بعضاً من الثانية مثل “عصبة الأنصار” و”الجمعية الإسلامية المجاهدة” وغيرهما وعدداً من قادتها مثل جمال خطاب يرفض الانفجار.
وتضيف إلى ذلك موقفاً لبنانياً رسمياً يرفض الانفجار وممارسة أمنية وعسكرية تترجمه في صورة جيِّدة وجدِّية. طبعاً، تستدرك “حماس”، هناك جهات وأشخاص ينفّذون مهمات في مقابل المال. هؤلاء قد ينجحون في إشعال الفتيل. لكنه يُحدِث انفجارات صغيرة لا انفجاراً كبيراً.
إلا أن اللبنانيين خائفون لأن تجاربهم وتجارب غيرهم على أرض بلادهم علّمتهم أن استمرار الانفجارات وإن صغيرة يولِّد الانفجار الكبير.