وَفَت إيران بالتزاماتها كاملة في الفصل الأول من خطة العمل الشاملة المشتركة مع مجموعة ٥ + ١ للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين الى ألمانيا. أعادت الى الوراء إرادياً عقربي الساعة لبرنامجها النووي. يبدو أن إتمام الفصول الأخرى من الإتفاق سيعطيها أكثر بكثير من زهاء 100 مليار دولار من الأرصدة المجمدة. غير أن ذلك لا يعني البتة أن القوى الست الكبرى منحت طهران “شيكاً على بياض”.
هلّل الرئيس باراك أوباما لتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية. على رغم تشكيك الكثيرين، وليس فقط اسرائيل، لاحظ “تحولات جذرية” في البرنامج النووي لدى ايران. قال وزير الخارجية جون كيري إنها اتخذت “خطوات مهمة” إذ شحنت 98 في المئة من الأورانيوم المخصب الى روسيا، وفككت أكثر من 12 ألف جهاز للطرد المركزي، وصبت الإسمنت على مفاعل كان مصمماً لتخصيب البلوتونيوم. ما لم يقله هو أنها طوت صفحة كانت لا تزال مفتوحة منذ عام 1979 بعد انتصار الثورة بقيادة آية الله روح الله الخميني.
بال شعار “لا شرقية ولا غربية، جمهورية إسلامية”. أنهى الرئيس حسن روحاني عقوداً من العداء مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والغرب عموماً. هذا ما بدأه الرئيس سابقاً محمد خاتمي الذي طبع العلاقات مع روسيا، وريثة الإتحاد السوفياتي، والصين وغيرها من دول ذلك الشرق. لم تفعل ايران ذلك كي يطمئن العالم الى الطبيعة السلمية لبرنامجها النووي والى نياتها الحسنة حيال البلدان المتوجسة من طموحاتها، بل أيضاً لاعبة رئيسية في حفلة إعادة ترسيم خرائط النفوذ الإقليمية، وخصوصاً في الشرق الأوسط الذي يشهد تحولات عميقة وواسعة لا سابق لها منذ نحو مئة سنة.
في سنته الأخيرة في البيت الأبيض، لن يجد أوباما غضاضة في أن يضم الى ميراثه تصفية العناصر الأخيرة من تركة الحرب الباردة. أعاد العلاقات مع كوبا وها هو يعيدها مع ايران. التحقت بكتب التاريخ أيضاً رطانة التعابير الرنّانة: “نحن نكرهكم، أيها الإمبرياليون” و”الموت لأميركا” وغيره من الشعارات ضد “الشيطان الأكبر”. لم يعد لائقاً كذلك التصنيف الذي وضعته إدارة الرئيس السابق جورج بوش للجمهورية الإسلامية ضمن “محور الشرّ”. انتهى من حيث المبدأ زمن هذه المواجهة بالذات.
يفتح تنفيذ الإتفاق النووي صفحة جديدة من العلاقات بين واشنطن وطهران. صحيح أنه يعيد مليارات الدولارات الى ايران. بيد أن هذا الإستثمار الإستراتيجي أكبر بكثير وطويل الأجل بالنسبة الى الدول الصناعية الكبرى في منطقة تشهد حروباً وسباقاً على اقتناء السلاح التقليدي، وتشتهي الطاقة النووية، وتريد تجديد منشآتها النفطية، وتحتاج الى تنمية وإعادة إعمار.
يتطلب هذا الإستثمار دوراً بناء من ايران. لا يعني إطلاقاً إطلاق يدها في هذه المنطقة الملتهبة.