قد يكون أفضل تعليق سمعه اللبنانيون خلال الأيام الماضية هو تعليق وزير الداخلية نهاد المشنوق بُعيْد مغادرته اجتماع لجنة البحث في تطبيق قانون الانتخاب «لا تعليق»، هذا أفضل ما يقال للبنانيين العالقين في أزمات كبرى تستنزف طاقاتهم اليوميّة، وتصرفهم عن الإكتراث بالوضع السياسي اللبناني المأزوم منذ ما قبل عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة، إلى أن انفجرت الأمور بعد إجازة العطلة وعاد «الكباش» بين الرئاستين الأولى والثانية ليفرض مئات التساؤلات غير البريئة عن استخدام ملفّ الكهرباء للضغط على الرئاسة الأولى عبر صراخ الناس الذين حاصرتهم العتمة!
«لا تعليق»، ولكن ثمّة سؤاليْن يستدعيان أن نطرحهما بعيداً عن التحليلات والقراءات لواقع الأزمة السياسيّة، والسؤال يفرض نفسه ما دامت الرئاسة الثانية تضغط بكلّ الطرق لفرض توقيع «شيعي» لوزراة المال التي ستحتكرها «الطائفة الشيعيّة» بناء على مداولات شفهيّة من مؤتمر الطائف الذي بات يحتاج إلى تفسير واضح لكلّ البنود الملتبسة فيه، وهذه حقيقة لا ينفع التهرّب منها لأنّها قد تقود يوماً ما إلى حروب أهليّة جديدة!
وبالعودة إلى السؤال الأول الذي نودّ مشاركته مع الجميع، هل الطائفة الشيعيّة ما زالت طائفة محرومة؟ بالأساس الرئاسة الثانية للطائفة الشيعيّة وقد أحكمت القبضة عليها على مدى ربع قرن وحتى اليوم، ثمّ هل الطائفة المسلّحة الوحيدة بترسانة صواريخها ما زالت محرومة وهي التي تلقي القبض على لبنان بذراع إيران العسكري وعلى الشوارع والأزقة في مناطق كثيرة من لبنان تحت عنوان سرايا المقاومة؟!
السؤال الثاني الذي يفرض نفسه أيضاً في حال نجحت الضغوط بفرض «توقيع وزير المالية الشيعي»على المراسيم التي يوقعها رئيسي الجمهوريّة والحكومة، هل سيكون هذا التوقيع الشيعي قادراً على تعطيل أي مرسوم يحمل توقيع رئيسين، هل يستطيع وزير بعدم توقيعه على مرسوم أن يعطّل سلطة توقيع رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة؟ أخوف ما نتخوّف منه هو السعي إلى تعطيل سلطة توقيع المراسيم المنوطة برئيس البلاد ورئيس حكومته ثمّ الوزير المختصّ، ثمّة من يضع عصيّ تعطيل كثيرة في دولاب «المراسيم» تمهيداً للوصول إلى «مثالثة» مكرّسة من دون الحاجة إلى الحديث عن تعديل الطائف الذي لم يحدّد نصّاً طوائف الرؤساء الثلاثة، ومع هذا اقتضى العرف اللبناني أن تتوزّع الرئاسات الثلاث على طوائف ثلاث، نحن أمام «مثالثة» تعطيل أي حكومة عبر توقيع وزير المال الشيعي، في عزّ الحرب الأهليّة استمرت كلّ الحكومات بتيسير أمور البلاد والعباد حتى عبر مراسيم جوّالة، فهل يعطّل توقيع الوزير الشيعي ويشلّ توقيع رئيسي الجمهوريّة والحكومة؟ سؤال يستحقّ التأمّل قليلاً، وإن كنّا لا نملك إجابة عليه، لأنّ الإجابة الأفضل في هذه المرحلة هي «لا تعليق»!
لم يعد اللبنانيّون يعرفون مَن مع مَن؟ ولا مَن ضدّ مَن؟ ولا مَن سيتحالف مع مَن؟ حال من الغموض تسيطر على المشهد اللبناني، «تركيبة» غريبة عجيبة، تؤكّد يوماً بعد يوم، أنّ رجال الدولة اللبنانيّة ينحدرون إلى مستوىً مخيف من «النكايات» و«العرقلة» وهزّ استقرار مواطنيهم السياسي، وأنّ هكذا طبقة سياسيّة لن تسمح لأي مواطن بإدخال تعديلات على شكلها ومضمونها، «لا تعليق»، الوضع اللبناني لم يعد يتحمل «ثرثرات» على هامش حقوق مدّعاة هنا أو هناك، الصمت أجدى و«لا تعليق»!