من الطبيعي أن تتعاظم الهواجس لدى البعض من خطر حدوث فراغ تشريعي نتيجة هذا الحوار العبثي – وبعضه متعمّد! – حول قانون الانتخاب. والعبارة المنسوبة الى رئيس الجمهورية بقوله انه لو كان عليه الاختيار بين قانون الستين أو الفراغ لاختار الفراغ، صبّت الزيت على النار، على الرغم من أن المقصود هو غير ذلك. والمعنى الحقيقي الذي قصده رئيس الجمهورية يمكن تلخيصه بهذه العبارة: ان الاستمرار باعتماد قانون الستين يهدد بحدوث فراغ في السلطة التشريعية، بمعنى ان الفراغ هو خطر محتمل وليس خيارا.
سرّ المراوحة في حوار السياسيين حول قانون الانتخاب هو انطلاق الحوار على أساس قاعدة خاطئة تتلخص بعبارة قانون يرضي الجميع، في حين أن القاعدة الصحيحة هي البحث عن قانون نابع من روح الدستور ويرضي الشعب اللبناني وليس جميع الزعماء السياسيين. ولعل السماح بترك هذا الحوار البيزنطي يأخذ مداه، يخفي نيّة دفينة تهدف الى كشف الأقنعة، وحرق المزيد من أوراق طبقة سياسية عاجزة ومحروقة أصلا! ومن شأن ذلك أن يخلق مناخا عاما لدى الرأي العام بالعودة مباشرة الى الشعب عن طريق الاستفتاء، بعد إظهار عجز الوكلاء عن القيام بالمهمة!
عدم وضع قانون جديد للانتخابات يقطع مع الماضي ولو في حدود مدروسة وفي وقت غير بعيد، هو امكانية شبه معدومة، وذلك ليس على سبيل التمني، وانما لحدوث تطورات جوهرية طرأت على الواقع السياسي في لبنان. وهي لا تتمثل فقط بتولي شخصية من وزن العماد عون رئاسة الجمهورية، وانما أيضا في الموقف الواقعي والبراغماتي والوطني الذي اتخذه الرئيس سعد الحريري، وأحدث هذه الانعطافة التاريخية في المسار اللبناني. وقد أدرك الرئيس الحريري في الوقت المتاح والمأزوم ان ما يحتاج اليه القادة السياسيون هو أكثر من المرونة في المواقف السياسية، وان ما يحتاجون اليه هو الرؤية بعيدة المدى…
لعل الرئيس الحريري أدرك ان الخلاف المبكر مع العهد حول قانون الانتخاب هو عودة للوقوع في محرقة المزايدات الطائفية والمذهبية. وان بحث كل طرف عن زيادة عدد أعضاء كتلته النيابية – أو الحفاظ أقله على مكاسب الستين – يحمل في طيّاته أخطارا، ولا يوصل الى برّ أمان. وان اعتماد قانون جديد يمثل خطوة الى الأمام، قد يؤدي الى نقص بعض أعضاء في كتلة المستقبل وغيرها، ولكنه يعوّض في المقابل بدعم كتلة توافق نيابي ضخمة تضم المستقبل والتيار الوطني الحر وغيرهما، وتضمن استقرارا حكوميا طوال سنوات العهد الست، على قاعدة التناغم بين الرئاستين الأولى والثالثة بدعم من الرئاسة الثانية، والكتل الأخرى الداعمة لقانون جديد يضمن عدالة التمثيل. وترسيخ هذا التوجه، سيفسح في المجال أمام الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط الى توسيع مطرح له في هذه المنظومة دون تطاول على هيبة موقعه لا في الطائفة ولا على المستوى الوطني، لا سيما وان جنبلاط هو أذكى من أن يغرّد وحيدا خارج السرب…
لا أعرف من هو القائل: اذا خُيّرت بين السلام والحق فانني اختار الحق. وكما يقال في التراث العربي: معركة الباطل ساعة ومعركة الحق الى قيام الساعة… فلا اصلاح بالتراضي ولا تغيير بالتقاسم. والنظام اللبناني الطائفي استسهل طويلا، وتلذذ ب الكسدرة على كورنيش الحكم، متنعما بالفساد ومنتشيا بالسلطة والتسلّط… ولكل كورنيش نهاية ولا بد من الانعطاف عند أول مفترق في اتجاه التغيير. وعلى هذا المنعطف الذي وصل اليه الجميع اليوم، لا يوجد سوى قانون الانتخاب!