يستطيع الرئيس بشار الأسد، أن يقف أمام المرآة، ويصرخ عالياً حتى تسمعه كل القبور والزنازين والمعتقلات المعروفة منها والسرية، وصولاً الى ملايين النازحين في داخل سوريا وفي أربع بقاع الأرض: «لقد أجريت انتخابات تشريعية حرة وغير معلّبة وفزت فيها وحزبي العظيم البعث وسأبقى شاء من شاء وأبى من أبى الى الأبد». رغم هذا ستبقى شرعيته معلقة!
في اليوم نفسه، توالى نشر وثائق التعذيب والقتل الأسدي. وحدها طهران وخصوصاً علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى المنتهية ولايته، «واللاجئ» الى لائحة «الأمل» التي تزعمها الرؤساء: هاشمي رفسنجاني وحسن روحاني وضمناً محمد خاتمي، اكتشفت في برقية التهنئة التي وجهها لاريجاني الى الأسد: «المشاركة الواسعة في الانتخابات مؤشر الى التفاف الشعب حولكم باعتباركم رمزاً للمقاومة والاستقلال».
سوريا الأسد انتهت. سوريا التي ستخرج من تحت الركام والرماد سوريا أخرى لا علاقة لها بكل الماضي. من المؤكد أن الأسد و»القيصر» فلاديمير بوتين والمرشد آية الله علي خامنئي، لن يحققوا أي انتصار حاسم، حتى ولو نزل كل الطيران الروسي والجيش الإيراني. كذلك «المعارضات» السورية لن تنتصر ولن تطرد أحداً بالقوة. هذه هي المعادلة الدولية، وقد استوعب «القيصر» مؤشراتها، فانسحب ولم ينسحب. أبقى في سوريا على حضوره الاستراتيجي تحضيراً للمفاوضات النهائية مع واشنطن. أما المرشد فيعرف جيداً أنه خسر الحرب في سوريا لأن الأسد لن يبقى، لكنه يصعّد حتى لا تضيع «استثماراته» المالية والعسكرية فيخسر الأسد وما «سيتقرر لإيران من النظام في المفاوضات».
أما الولايات المتحدة الأميركية، فالرئيس باراك أوباما يتابع سياسته «الخبيثة وحتى المخادعة في سوريا». حالياً يوجد في سوريا من دون ضجيج وبعيداً عن الإعلام 640 جندياً من المارينز، وقاعدة جوية لطائرات الهليكوبتر. أوباما القادم الى السعودية، وضع شرط قاعدة السلام في منطقة الشرق الأوسط لخلفه في البيت الأبيض وهو: «لا داعش ولا الأسد». حتى يتم القضاء على داعش يجب خروج الأسد.
«القيصر» فلاديمير بوتين، يتقدم ويتراجع وفق قواعد وشروط خطة وضعها من الأساس، على أن تكون متحركة وفق تغير المعادلات على الأرض. يعرف «القيصر» أكثر من أي «شريك» ميداني له، أن معادلة «الأسد أو داعش» انتهت مفاعيلها. لذلك يبحث عن مسار جديد يضمن له ما أراده منذ البداية وهو «أن يستفز الدب الروسي في المياه الدافئة للشواطئ الجنوبية للبحر المتوسط«.
واقعتان من دمشق تؤكدان توجه بوتين للتعامل مع المتغيرات بهدف صياغة مستقبل آمن ومثمر ومنتج لموسكو.
الأولى: واقعة إبعاد العميد ماهر الأسد، «رئيس الليل»، كما يوصف في دمشق، لأنه يتناوب مع شقيقه بشار «رئيس النهار»، عن قيادة الفرقة الرابعة الى قيادة الأركان. في التراتبية العسكرية، هذا الانتقال يُعتبر ترقية. عملياً يعتبر «الارتفاع الى تحت». حتى الآن لا تُعرف حقيقة الواقعة وأسبابها. البعض يقول «إنه وهو النزق قد اختلف مع أحد القيادات الحليفة وأساء إليها كثيراً«. بحيث لم يعد من الممكن بقاؤه على الأرض فرُفع الى الأركان. من الأسرار التي لم تُنشر حتى الآن أن الرئيس بشار الأسد عيّن مكان شقيقه في قيادة الفرقة الرابعة، قائد الحرس الجمهوري العميد طلال مخلوف وهو ليس قريبه لأنه من قرية «القطلبية». باختصار، يوماً بعد يوم يبقى الأسد وحيداً.. وسيندم لاحقاً.
الثانية: أن «القيصر» بوتين أوفد أحد قياداته الى الفريق المتقاعد علي دوبا، الذي رغم تقدمه في السن (من مواليد العام 1933) ما زال قوياً وحاضراً وربما هو آخر «العليين» (مجموعة الضباط السبعة الذين يحملون اسم علي الذين التفوا حول حافظ الأسد وصنعوا له القاعدة والحماية في الجيش وفي المؤسسات الأمنية). الموفد الروسي سأل الفريق المتقاعد دوبا: «من ترشح لرئاسة الجمهورية ولقيادة الجيش ولرئاسة الحكومة؟«. لا أحد يعرف ماذا أجاب دوبا. لكن استناداً الى المصدر المطلع نفسه، فقد تم استدعاء دوبا حيث التقى الرئيس بشار الأسد الذي أبلغه أن لقاءه بأي موفد سواء كان روسياً أو غيره بلا إذن لن يمر من دون مساءلة». دوبا أحد «صانعي« النظام الأسدي فهم الرسالة بأنها حكم بالإعدام معلق، فعاد الى الانطواء.
هذا الحدث يؤكد أن «القيصر»، يبحث عن بديل لبشار الأسد، حتى إذا دقت الساعة في العام القادم يكون جاهزاً. ما يهم بوتين أن يبقى شريكاً مهماً وأساسياً في الحل وفي صياغة المستقبل كما كان شريكاً أساسياً ومؤثراً في الحرب.
تبقى إيران لأنها طرف أساسي في الحرب في سوريا. حالياً تصعّد طهران في سوريا لأسباب سورية وإيرانية داخلية. في سوريا، تعمل طهران على تأكيد موقعها في صمود الأسد وبقاء النظام، تحضيراً منها للمواجهة السياسية في المفاوضات القادمة عاجلاً أو آجلاً. وفي الداخل لا يمكن للمرشد التنازل في وقت يخوض فيه معركة المربع الأخير في الانتخابات التشريعية.
مسار جنيف سيستمر هبوطاً وصعوداً حتى تنتهي ساعة الرمل. ما حصل في لبنان يتكرر في سوريا. بين مؤتمري لوزان والطائف قرابة عقد من الزمن. الحرب في سوريا لا تتحمل عشر سنوات من المفاوضات.
«داعش» أصبح يخيف العالم… والعالم اقتنع أن بقاء الأسد من بقاء «داعش».