مجلس الوزراء يكرر الدوران في مأزق محكوم بمأزق أكبر تدور فيه الجمهورية ويدار بحسابات خارج هموم الجمهور. والمشكلة تتجاوز الجدل العبثي حول آلية اتخاذ القرار الى العجز المنهجي عن تحريك آلة الحكم المعطلة. فالمجلس ليس مركز القرار، كما هو مفترض حسب النص الدستوري وطبيعة النظام الديمقراطي البرلماني. لا في ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة خلال الشغور الرئاسي. ولا حتى في ممارسة صلاحياته الأصلية بوجود رئيس للجمهورية. فالوزراء وكلاء لقيادات ومرجعيات حريصة على أن تكون الكلمة لها في كل شيء تقريباً. والقرارات الأساسية، سواء في التعيينات أو في التلزيمات أو في المواقف السياسية أو في الأمور الاقتصادية، يتم التفاهم عليها بين القيادات والمرجعيات قبل طرحها على طاولة المجلس للموافقة الشكلية الرسمية عليها. واذا جرى طرح موضوع مهم من دون هذه الآلية الفعلية، فإن الوزراء الذين طالبوا به يبدون محرجين ويطلبون تأجيل النقاش فيه مستغربين مخالفة العرف بالتفاهم عليه سلفاً خارج المجلس.
والمفارقة في مجلس الوزراء الحالي ان المطلوب منه، وهو مثل سواه ليس مركز القرار، أن يقرر أو أقله أن يناقش أموراً أساسية لا توافق عليها في البلد. والنتيجة واضحة: تعطيل الجلسات أو اقتصار البحث فيها على جدل مكرر، بحيث يصبح المجلس مركز مناظرة، لا مركز حوار ولا مركز تفاوض. والعجز حتى عن القيام بما يقوم به أي مجلس بلدي من تدبير وتقرير في أمور حياتية ملحة وضرورية وأحياناً طارئة. فلا قرارات في الجلسة الأخيرة حيال مشكلة النفايات والخوف من خسارة مساعدات مالية مقررة للبنان.
ومن الصعب، وسط تراكم الزبالة في الشوارع، تحقيق مطلب لجنة البيئة النيابية تحرير النفايات من السياسة. اذ هي دخلت في الطائفية والمذهبية والجهوية وكانت ولا تزال جزءاً من لعبة المال والسلطة. والأصعب هو تحرير السياسة من النفايات. اذ للنفايات في النهاية من يكنس ويجمع ويطمر ويعالج. ولكن من يكنس ويجمع ويطمر ويعالج النفايات السياسية؟
ذلك أن خطوة بدأها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على الطريق الى الغاء المحاصصة السياسية، كشفت ما يفوق الخيال من سرقات للمال العام في اطار الشراكة بين المحاصصة السياسية والفساد. ولا أحد يعرف إن كان يستطيع اكمال الطريق تحت الضغط الشعبي المؤيد له أو تغلبه مصالح الحيتان في الداخل والخارج. لكن الكل يعرف أن لبنان يمشي في الاتجاه المعاكس نحو المحاصصة الكاملة التي لا ثغرات فيها. وهذه وصفة لاكتمال الفساد وشمولية اللعب من خارج الدستور والقانون.