حصرية السيادة وقرار السلم والحرب بالدولة، من المبادئ التي لا خلاف عليها في أية دولة تنطبق عليها مواصفات الدولة. في لبنان يختلف الأمر، إذ يعتمد البعض خطابا من أهدافه التصويب على الخصوم وليس فقط التمسك بالمبدأ. والسيادة ليست مثل البطيخة التي يصعب الاحاطة بها بنظرة واحدة! ومن تحدث عن السيادة في جلسة المناقشة بدأ حديثه وأنهاه بتناول السلاح خارج الدولة، ولم يتطرق الى الجانب الآخر. ولكان المتحدث أكثر انصافا وموضوعية لو قرن حديثه بالجانب الذي يتعلق أيضا بخرق السيادة من خلال احتلال جانب من أرض الوطن، ويتطاول بشكل شبه يومي على سيادة لبنان في سمائه وبحره وأرضه…
***
قرار السلم والحرب معروف ومعمول به منذ قيام الدول في العالم. وهو يعني اعلان الحرب من دولة أو مجموعة دول، على دولة أو مجموعة دول أخرى. ومثاله الحربان العالميتان، وما قبلهما وما بعدهما. ولم يعلن لبنان الحرب يوما على أي من الدول الأخرى كفعل سيادي مستقل. ومارست الدولة اللبنانية قرار السلم والحرب على المستوى الداخلي فقط. وفي تاريخ لبنان الاستقلال سلسلة من قرارات الحرب الداخلية والسلم الداخلي اتخذتها أطراف لبنانية بقرارات منفردة، وكان من نتيجتها أن جرّت الدولة الى الحرب حينا والى السلم حينا آخر!
***
أما الحرب التي اضطرّ لبنان كدولة وفئات شعبية منه الى خوضها فلم تكن نتيجة قرار سيادي منه، بل نتيجة عدوان عليه. وهذه الحالة لا ينطبق عليها مبدأ قرار الحرب والسلم، وانما هي حالة دفاع عن النفس، وعن الاستمرار في الحياة والوجود للبنان كدولة، ولأبنائه كشعب. وهذا يعني انه في الحالة اللبنانية التي تواجه عدوانا خارجيا – أكان اسرائيليا أم ارهابيا – لا يوجد ما يسمّى ب قرار السلم والحرب، وتسميته الحقيقية هي قرار موت أو حياة!
***
للخروج من هذا المأزق، ومن هذا الاستغلال السيّئ لمبادئ مقدسة مثل السيادة وقرار الحرب والسلم، يجدر بهذا العهد الجديد توفير اجماع وطني حول استراتيجية دفاعية يكون من أهدافها قيام الدولة الرادعة بكل قواها: من جيش وقوى أمنية وتنظيمات ومؤسسات شعبية، واعلام، وامكانات اقتصادية واجتماعية وشعبية، وانشاء مؤسسة دفاعية عليا برئاسة رئيس الدولة، وتضم ممثلين عن هذه القوى جميعا، وتناط بها مهمة اتخاذ قرار الحرب والسلم، والانتهاء من الاستغلال السياسي لأغراض داخلية، في قضية مصيرية للبنان وشعبه، هي في جوهرها قضية حياة أو موت!