ليس مستغرباً ان تشهد الساحة السياسية بين وقت وآخر اقتراحات لإنهاء استمرارية خلو سدة رئاسة الجمهورية، فمثل هذه «العروضات» تذّكر اللبنانيين على الأقل بوجود السدة خالية، فيتجاوزون بذلك الوقوع في انعكاسات حالة مرور الزمن على «عدم الاستعمال»، ويشرّعون ضمناً وجود دولتهم من دون رئيس.
وإذا كانت مثل هذه الطروحات، بشقيها العلني والمستتر، مقبولة في معظمها في القاموس السياسي، إلا أن بعضها المستند إلى اجتهاد في الأحكام الدستورية التي تضبط الانتخاب الرئاسي، غير مقبول، لا هو بحد ذاته ولا حتى السكوت عنه، لأسباب أساسية عديدة وفي مقدمتها إمكان أن يشكل سابقة يمكن القياس عليها، ليس في الانتخابات المقبلة فقط بل في أي انتخاب يكون للدولة اللبنانية رئيس للجمهورية.
ومن هذه الطروحات القديم ـ الجديد القائل بإمكان انتخاب صاحب الفخامة بالنصف زائداً واحداً. إن هذه الإشكالية المفتعلة استُعملت في أكثر من استحقاق انتخابي سابق لاستحقاق اليوم، إلا أن المجلس قد حسمها في كل المرات بعد أن أخذه الحياء في بعضها كي ينتخب رئيساً للجمهورية بأكثرية النصف زائداً واحداً مستنداً في ذلك إلى المادة 49 ـ دستور التي هي ذاتها ترفض العمل بهذا التفسير.
جاء في نص المادة 49 «يُنتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الانتخاب التي تلي…». بصرف النظر عن لعبة الأرقام، فإن المطلوب لانعقاد الجلسة حضور ثلثي النواب باعتبار أن الانعقاد، أي اكتمال النصاب، مطلوب أن يتوافر أساساً للقول بأكثرية النصف زائداً واحداً. وهنا تظهر السقطة التي يقول بها البعض الناشئة على الخلط بين دورة الانتخاب ونصاب الجلسة، بحيث اعتُبرت مفاعيل الجلسة التي يكتمل فيها النصاب بالثلثين ومن ثم يتعطل نصابها بعد إجراء دورة الانتخاب الأول، سارية المفاعيل على الجلسة الجديدة التي يحدد انعقادها رئيس المجلس بعد يوم أو أسبوع أو شهر. وبذلك تصبح جلسة الانتخاب الجديدة مؤهلة لإعلان فوز رئيس الجمهورية بأكثرية النصف زائداً واحداً باعتبار أن دورة الاقتراع الأولى كانت قد تمت في الجلسة الأولى.
ويبدو واضحاً أن سقطة القائلين بهذا الاجتهاد مردها عدم التمييز، وبالتالي الخلط بين مفاهيم المصطلحات النيابية الراسخة. «فدورة الانتخاب» هي عمل إجرائي داخل الجلسة، وقد يفسره ما جاء في المادة الثالثة من النظام الداخلي للمجلس التي جاء فيها: «…يُنتخب الرئيس ونائبه بالغالبية المطلقة من أصوات المقترعين وإذا لم تتوافر هذه الغالبية في هذه الدورة وفي دورة ثانية تعقبها تجري دورة انتخاب ثالثة يكتفي بنتيجتها بالغالبية النسبية…»، فهل يمكن أن يكون قصد المشترع عقد ثلاث جلسات لانتخاب الرئيس إذا لم تتوافر الأكثرية المطلقة؟ فدورة الانتخاب، وبالتالي الدورات اللاحقة، تتطلب وبالضرورة أن تكون في جلسة واحدة مكتملة النصاب وليس دورات انتخابية في أكثر من جلسة للغاية الواحدة.
وإضافة لذلك تبرز الفقرة الأخيرة من النظام الداخلي لمجلس النواب وفيها: «إذا رُفعت الجلسة قبل الانتهاء من مناقشة موضوع ما، حقَّ لرئيس المجلس إعلان الجلسة مفتوحة والجلسات التي تعقد في ما بعد لاستكمال البحث تُعتبر استمراراً للجلسة الأولى». فإذا استعمل رئيس المجلس صلاحيته تلك، يمكن عندها إذا لم يتم انتخاب الرئيس أن تجري دورة انتخاب ثانية بالأكثرية المطلقة أو بالعدد الذي يلي نصف مجموع النواب الذين يشكلون المجلس قانوناً.