غريبٌ أمر هذا البلد…
وغريبٌ أمر المسؤولين فيه…
وغريبٌ كيف يتعاطون مع الأولويات فيه:
الثانوي بالنسبة إليهم يصبح أساسياً، والأساسي جداً يصبح هامشياً جداً.
بلد السبعين مليار دولار ديناً، أو الثمانين أو التسعين مليار دولار، مَن يدري؟
بلد المئتي مكب نفايات عشوائي.
بلد لا يعرف كيف يعالج نفاياته للسنة الرابعة على التوالي.
بلد لا يعرف كيف يعالج المعضلة المستشرية بين إدارات المدارس الخاصة والأساتذة والأهل.
بلد لا يعرف كيف يعالج أزمة ازدحام السير التي حولت العاصمة بيروت والأوتوسترادات الساحلية إلى موقف سيارات كبير.
بلد لا مراقبة صحية وبيئية على المزروعات من خضار وفواكه، واللبناني لا يعرف ماذا يأكل؟
بلد ترتفع فيه نسبة العاطلين عن العمل بسبب منافسة النازحين السوريين للبنانيين، ولا من حسيب أو رقيب.
بلد يغفل عن كل النواقص والعيوب والشوائب الآنفة الذكر، لكن عيونه عشر عشر على محاورٍ تلفزيوني كيف تصرف حيال ضيف من الخارج تطاول على مسؤولين في البلد!
لو اهتمَّ المسؤولون بمقدار ما اهتموا بالحلقة التلفزيونية من كلام الناس، بالدَيْن والنفايات والأقساط المدرسية والبيئة، لكانت هذه الملفات بالتأكيد قد وضعت على سكة المعالجات، لكن أن يتم التغاضي عن كل هذه الملفات ويُصار إلى التركيز على هذا الملف فقط فهذا يعني واحداً من اثنين:
إما أنَّ المسؤولين لا يعيرون أهمية للملفات التي يئنُّ منها الشعب.
وإما أنَّهم يعتبرون أنَّ في الإقتصاص من الأستاذ مرسال غانم إنجازاً لكل الملفات، وهو غير صحيح على الإطلاق.
الأستاذ مرسال غانم صاحب الربع قرن في برنامجه التلفزيوني الأول في لبنان والعالم العربي، وما كان ليكون على هذه الدرجة من الأولوية لو لم يكن برنامجه رصيناً، جاداً، محترفاً، لا تجريح فيه ولا كيدية ولا استخفاف، لا بالضيوف ولا بالمشاهدين، خاصة في ما يخصُّ المقامات الرئاسية، ولو لم يكن كذلك لما تربع على عرش الأولوية على مدى ربع قرن.
كيف لمشاهدين أن يحضروا برنامجاً لربع قرن إذا كان هذا البرنامج يزعجهم؟
أو إذا كان مقدم البرنامج يتطاول على أحد، أو إذا كان الضيوف يستفزون المشاهدين في كل حلقة أسبوعية؟
مرسال غانم قدَّم أنموذجاً حضارياً في التعاطي الإعلامي:
نال على برنامجه العديد من الجوائز.
درس في أكثر من جامعة مواد إعلامية في المادة التي يقدمها.
أصبح مثال كل إعلامي يريد أن يبرع في حواراته.
ثم، هل هكذا يتم التعاطي مع الإعلام اللبناني الذي يترنَّح تحت ضربات الظروف؟
هل هكذا يتم دعمه لئلا يسقط بالضربة القاضية؟