IMLebanon

الفراغ

 

أخشى ما نخشاه أن تستمرّ مرحلة الفراغ التام في السلطة التنفيذية. فكل يومٍ يمرّ على عدم تشكيل الحكومة، يبتعد التأليف أياماً وأسابيع. دخلنا في الشهر السادس على هذا الفراغ وليس في الأفق تباشير أمل. عندما كان يتأخر التأليف بضعة أيام قديماً، كنا نقول: بحكومة أو من دونها لن يتغيّر شيء. يومها، كانت الظروف مختلفة عن هذا الواقع الذي نعيشه اليوم. كانت لدينا إدارة جيدة. أما اليوم، فالإدارة بحالة سيئة بعدما بات مُعظم القياديين فيها أتباعاً للزعامات والأحزاب والمسؤولين، ولاؤهم لأولياء أمرهم وليس للدولة التي يُفترض أنهم مسؤولون عن تحريك مفاصلها: تنعكس عليهم الصراعات والخلافات، إذ يعتبر الواحد منهم أنه في موقعه ليُحقق مصالح «معلّميه»، وليس لمصلحة المواطن الذي هو في موقعه الإداري من أجل خدمته.

 

في أي حال، إن عدم تشكيل الحكومة لا تُقتصر مضاره، فقط، على هذه الناحية، بل أيضاً على سمعة لبنان في الخارج، وقد بات التشكيل مطلباً دولياً. فلم تُـجمع المنظمات والعواصم الخارجية على أمر كما تُـجمع على حثّنا على تشكيل الحكومة.

 

أليست هذه هي الحال؟ فلا يصدر بيانٌ عن لقاء إلا يتضمّن مطلباً أثيراً يُوجّهونه إلينا: شكّلوا حكومتكم ثم تعالوا احكوا معنا. هكذا من الرياض إلى القاهرة، ومن واشنطن إلى موسكو، ومن باريس إلى بيجينغ، ومن لوكسمبورغ إلى لندن، ومن الأُمم المتحدة إلى جامعة الدول العربية…

 

أمّا عندنا، فباستثناء حراكاتٍ خجولة، لا يبدو القوم مُستعجلين. وليتهم ينشطون في سبيل إزالة العوائق وتذليل الصعوبات قدر ما هم ينشطون في تبادل السجالات، والبيانات التي لحمتُها التحديات وسُداها المآخذ التي يتذاكَون في تسجيلها بعضهم في حق البعض الآخر، حتى أصبحنا مهزلة في نظر العالم كلّه، فلم نعد نعرف من أين تنهال علينا النصائح، حتى من بلدانٍ ليست في العير ولا في النفير، ولا يُحسب لها حساب في معايير الأُمم.

 

ولكن يبدو أننا بتنا نستحقّ، بل نستأهل، أن نتحوّل إلى أضحوكة ونكتة تلوكها الألسن وتمضغها الأفواه، وصرنا مضرب مثلٍ في الفشل والتردد والتخلّف، بعدما كان الآباء المؤسسون، بالرغم من مآخذنا وملاحظاتنا عليهم، قد أوجدوا لهذا الوطن مناعةً وسمعةً عطرة. ومع الأسف، فإن أصحاب الشأن ينطبق عليهم بيت الشعر المأثور:

 

ومن يهُنْ يسهُلِ الهوانُ عليهِ

 

فما لجُرحٍ بميتٍ إيلامُ